رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

اللي النني عمله!

محمد النني
محمد النني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ عملى بالصحافة الفنية كان آخر شيء أرغب فى الكتابة عنه هو المسلسلات، ولكننى غيرت رأى فى السنوات الأخيرة لأن هناك الكثير مما يمكن كتابته عن هذه الأعمال، حتى السيئة منها.. فهى تكشف عن ثقافة هذا المجتمع بإيجابياتها وسلبياتها، وحلوها ومرها.
انزل لتتابع مسلسل محمد رمضان «الأسطورة» على مقهى فى حارة شعبية لتعرف أن الشعب يعيش فى واد، ورواد الفيسبوك يعيشون فى واد آخر.
«الأسطورة» قد يكون واحدًا من أسوأ المسلسلات فى تاريخ الدراما على مر العصور، ولكن هذه المساوئ هى بالتحديد أسباب نجاحه بين البسطاء، وغادة عبدالرازق قد تكون صاحبة الرقم القياسى لممثلة فى عدد المسلسلات السيئة التى لعبت بطولتها المطلقة، لا تنافسها فى ذلك سوى نادية الجندى فى السينما، ولكن غادة عبدالرازق ونادية الجندى ظاهرتان تجب دراستهما لنضع أيدينا على كم الأمراض النفسية المتعلقة بالعلاقات بين الجنسين فى سبعينيات القرن الماضي، والعقد الثانى من القرن الحالي.
ليس المسلسلات فقط، ولكن الإعلانات أيضا يمكنها أن تكشف الكثير مما يدور فى عقل المجتمع ونوع ثقافته.
خذ عندك إعلانات «اللى الننى عمله» و«اللى صلاح عمله»، الننى وصلاح لاعبا كرة قدم، نجحا فى اللعب فى الدورى الأوروبي، واشتهرا على الشاشات وصفحات الجرائد الرياضية، مما دفع واحدة من شركات الهاتف المحمول إلى شن حملة إعلانات بالملايين دفعت فيها لصلاح والننى عدة ملايين من أجل الترويج لشركة التليفونات.
حتى هذا عادي، لاعبو كرة القدم فئة محظوظة فى العالم كله، الواحد منهم لم يفتح كتابا فى حياته ولا يعرف «الألف» من «كوز الدرة»، أو كيف ينطق جملة سليمة، ولكنه يصبح مليونيرا لمجرد أنه موهوب فى تحريك الكرة بقدميه ورأسه.
لاعبو كرة القدم الموهوبون يقدمون أداءً رياضيا وفنيا يسعد الجماهير بالطبع ولأجل هذا يستحق بعضهم الملايين، عادي.
غير العادى هو المدى الذى تصل إليه إعلانات «النني» و«صلاح» فى اعتبار أن إنجاز لاعب كرة القدم عمل وطنى قادر على تغيير حركة التاريخ: «اللى الننى عمله.. رفع سقف الأحلام للأجيال الجديدة.. تخيل ولادنا ممكن يحلموا بإيه بكرة؟!».
تفتكر هيحلموا بإيه غير أنهم يطلعوا لاعبى كرة قدم أو يعملوا فى شركة موبايل؟!
بلد ظل يحلم لعقدين بهدف يتيم من ضربة جزاء فى كأس العالم، أصبح مصدر فخره الآن وصول اثنين من لاعبيها إلى العالمية. 
«اللى الننى عمله» إنه جعل المصريين ينسون أن هناك بلاد فى إفريقيا شديدة التخلف، يموت شعبها من الجوع والفقر والجهل، لديها عشرات من لاعبى كرة القدم الموهوبين فى الدورى الأوروبي.
الوصول إلى العالمية فى كرة القدم إنجاز كبير بالطبع، ولكن للاعبين أنفسهم، ولا يمكن اعتباره إنجازا وطنيا، خاصة إذا كان من خلال إعلان عن شركة اتصالات تبيع الهواء، وتسلب مليارات الجنيهات من جيوب المصريين الفقراء مقابل هذا الهواء، لتعطى الملايين منها للاعبى كرة القدم والفنانين، ليزدادوا ثراء على حساب الفقراء.
«اللى الننى عمله» أنه قد يشجع الأجيال الجديدة على الحلم بالهجرة للعب كرة القدم فى أوروبا، والوطنى منهم سيحلم بأن يكرر إنجاز مجدى عبدالغني، ويحرز هدفا ثانيا لمصر فى كأس العالم! .