الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حلم ولكن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجل هو حلم بسيط جدًا استطعت أن أفعله زمانًا فى بداية حياتى الثقافية. كنت قادمًا من الإسكندرية فى عام ١٩٧٤ وربما عام ١٩٧٥ لأستقر فى القاهرة التى كنت أحضر إليها من قبل على فترات متباعدة حين أنشر قصة أو قصتين فى مجلات مثل الطليعة والهلال. أحضر لأتقاضى مكافأتى التى كانت خمسة جنيهات عن القصة. كان هذا مبلغًا يستحق السفر، فبالعشرة جنيهات تستطيع أن تشترى إذا أردت بدلة من الصوف الفاخر أو تكفى نفسك شهرًا كاملًا مادمت تعيش مع أهلك. كان لا بد أن أترك الإسكندرية إلى القاهرة التى كانت تضج بالمناقشات السياسية والأدبية وفيها يمكن أن تتعرف عن قرب على النقاد والكتاب المشاهير والكتاب العرب وفيها تستطيع أن تذهب إلى الجريدة أو المجلة لتنشر قصتك بدلًا من إرسالها بالبريد فتضيع فى الطريق. حين أتيت كان لا بد لى أن أعمل صحفيا حرا غير مرتبط بجريدة ما. أعنى أن أكتب فى الصحافة العربية التى بدأت تفتتح لها مكاتب مختلفة يشرف عليها كتاب مصريون أعرفهم ويعرفوننى. كانت الحياة فى القاهرة مكلفة وليست كما تصورت ومن ثم رحت أكتب المقالات التى تعيننى على الحياة إلى جانب عملى فى وزارة الثقافة. كنت كارهًا لكتابة المقالات التى تسرق الوقت منى وكنت أحلم أن أتوقف عن ذلك لأتفرغ لكتابة القصة والرواية وهما الفن الذى أحبه. لم أستطع أن أفعل ذلك إلا بعد أن سافرت عامًا إلى السعودية. كان بين عامى ١٩٧٧ و١٩٧٨. لم يطل بى الوقت هناك لكنى كنت أعمل فى عملى وأنشر فى مجلتى اليمامة والفيصل وأعطى دروسًا لولد وبنت وهكذا حتى أجمع أكثر ما أستطيع فى أقل وقت. عدت بعد عام معى من المال ما يجعلنى أؤجر شقة فى إمبابة وأضع مبلغًا فى البنك أستفيد من عائده القليل وتفرغت لكتابة القصة والرواية فقط. حققت حلمى لسنوات ثم عدت مضطرًا إلى كتابة المقالات التى توقفت عنها بعد زيادة أسعار كل شيء حولى ووجود أطفال وتعليم ومدارس ودروس خصوصية وهكذا عدت مضطرًا إلى كتابة المقالات. كانت مقالات فى صحف كثيرة متعددة مصرية وعربية وبعضها كان منتظما وأصبح الأمر عادة ولم تعد كتابة المقالات تضايقنى نفسيا ولا عمليا. تعودت عليها وفصلت بينها وبين الرواية والقصة فجعلت الليل للرواية والقصة والنهار للمقالات، وسارت حياتى على هذا النحو حتى صارت الصحف تطلب منى الكتابة فيها ولا أتردد. اعترفت كثيرًا أن المقالات ليست حياتى ولا هدفى لكنها هى المعين السريع على الحياة. 
الآن عدت إلى الحلم أن أتوقف عن كتابة المقالات. ليس لأنها تعطل كتابتى للرواية والقصة لكن لأن الأمور تعقدت فى مصر وأصبحنا فى وضع شديد العبث وشديد الظلم على الأجيال الشابة وعلى الناس جميعا. فاقتصاديًا الأمور تمشى إلى إفلاس أو ما أشبه وسياسيًا الأمور تمشى إلى ظلم للشباب، بالذات الذين فاقت أعدادهم فى السجون كل العصور. وكتبت أكثر من مقال عن بعض الشباب المسجون ظلما أو بقانون جائر مثل قانون التظاهر فتتالت عليّ الرسائل من أهل المسجونين بشكل كبير لا تتحمله روحى فأنا لست محترف كتابة وما أكتبه يمر على قلبى وينالنى من الحزن الكثير. عدت أحلم بالتوقف عن الكتابة. أحيانا أرى ذلك حلا للبعد عن كل قضايا هذا المجتمع. لكنى أجد نفسى أتابع ما يحدث على صفحات الإنترنت ومن ثم أجد نفسى وسط الآلام ووسط الوجع. وجع ليس من الظلم فقط ولكن من القضايا التى ينشغل بها الناس أو ينشغل بها من يقومون على أمر الناس. كثير جدًا يمكن قوله هنا يتلخص فى أن التفاهات صارت أمرًا مهما للنقاش بين رجال الدين، أما الإدانة للناس فهى حاضرة عند رجال الدين والحكم معا، تسريبات للامتحانات فيردد الوزير كلمة الرئيس عن أهل الشر، ولا يقول شيئًا عن الفوضى العارمة فى وزارته التى أدت إلى ذلك. بل يتم نشر صور للجنة خاصة لأبناء الضباط والقضاة. أبناء الصفوة فى بلد كالبدارى والطلاب يغشون من بعضهم علنا ونقرأ عن استقالة رئيس اللجنة لأنه غير قادر على منع الغش فى هذه اللجنة الخاصة بينما وزارة التعليم تدين الغش المعلن على الإنترنت ولا تقول شيئًا عن الغش الرسمى ! هذا موضوع واحد من عشرات الموضوعات العبثية التى تجعلنى أفكر فى التوقف عن كتابة المقالات لكنى للأسف لا أستطيع. داء تحكم بى وطلبى بسيط جدا أن تترأف بنا هذه الدولة فيما تفعله وتقوم به لنكون أمام قضايا جادة. هل من الصعب أن نتوقف عن كل هذا الهراء.