الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف نواجه الإرهاب؟ "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثانيًا: سيادة القانون
فى الدول الديكتاتورية يخشى الناس السلطة، وفى الدول الديمقراطية يخشى الناس القانون، وخوف السلطة تخلف وخنوع، وخوف القانون رقي وحضارة، وقد تحررنا فى مصر من الخوف من السلطة، لكنا لم نرتقِ بعد إلى مستوى خوف القانون، احترامه، والتمسك به، والدفاع عنه، وجزء كبير من ظاهرة الإرهاب التى نعيشها، مرجعه وجذوره وجزء كبير من أسبابه، كامن فى أسلوب تعاملنا مع القانون على جميع المستويات سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التطبيق أو على مستوى التنفيذ أو على مستوى الامتثال لأحكامه عن قبول أو عن إرغام.
إن كثيرًا من القوانين التى تصدر فى مصر، تستهدف إبراء الذمة بإصدارها مع يقين كامل لدى مصدريها باستحالة التطبيق أو عدم ملاءمته، ومع ذلك تصدر وتحاط بهالة إعلامية واسعة وتصدر قرارات تنفيذية لها تحمل نفس المفهوم، مفهوم إبراء الذمة وليس مفهوم التطبيق العملى، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، وتكفى مراجعة قوانين وقرارات النقد، والإسكان والتسعير والمرور وارتفاعات المبانى والتموين والجمارك، وكردون المدن، والبناء على الأرض الزراعية، وغيرها حتى نكشف هذه الحقيقة الواضحة، وحتى نكشف حقيقة أخرى أكثر مرارة وهى ما استقر فى وجدان المواطنين نتيجة لذلك من أن واجبهم الأساسى هو التحايل على القانون وليس الامتثال لأحكامه، واختراق ثغراته وليس تطبيق مواده والاستهانة به وليس التوقير والرهبة والإجلال، ولا يجد المواطنون فى هذا الموقف حرجًا ولا إثمًا، بل يجدون فيه ردًا مناسبًا على قانون غير مناسب أو قرار غير واقعى، وما دام القانون أو القرار قد خلا من المنطق، فالمنطقى بعد ذلك أن يخالف.
إن أغلب ما نراه من تجاوزات تتعلق بالإرهاب السياسى الدينى هى فى جوهرها مخالفات لنصوص قوانين قائمة سارية، لكن أحدًا لا يطبقها.
إن ظاهرة الإزعاج بالميكروفونات، وبأعلى ما يمكنها من صوت، عمل مخالف لقانون قائم يمنع مكبرات الصوت، وتستطيع الدولة أن تقضى على هذه الظاهرة فى ساعات فقط بإعمال نصوص القوانين القائمة، ودون اللجوء إلى إصدار قوانين جديدة. إن التجمهر أمام مسارح أو مدرجات الجامعة لمنع إقامة الحفلات بالقوة، والاعتداء على الزملاء والزميلات والمسئولين أمر يجرمه القانون القائم، ولا يحتاج إلى قوانين جديدة.
إن التجمهر لمنع المواطنين من الاحتفال بعيد شم النسيم وتهديد المواطنين لو فعلوا ذلك عن طريق منشورات وخطب منبرية أمر يجرمه القانون القائم ولا يحتاج إلى قوانين جديدة.
إن التصدى للمواطنات بالزجر فى الشوارع لعدم ارتداء الحجاب، أمر يجرمه القانون القائم ولا يحتاج إلى قوانين جديدة، إن جمع التبرعات فى صناديق ودون إيصالات ودون تصريح من وزارة الشئون الاجتماعية بحجة بناء المساجد، والله وحده يعلم ولا يحتاج هذه التبرعات، أمر يجرمه القانون القائم ولا يحتاج إلى قوانين جديدة.
إن استخدام مكبرات الصوت الصغيرة فى الدعوة الدينية فى وسائل النقل العام أو على محطات الأتوبيس، أمر يجرمه القانون القائم ولا يحتاج إلى قوانين جديد.
إن طبع الأشرطة المثيرة للفتنة الطائفية، دون أن تخضع لرقابة المصنفات الفنية، أمر يجرمه القانون القائم ولا يحتاج إلى قوانين جديدة.
إن تسفيه معتقدات الغير الدينية، من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أيًا من كان صاحب الرأى، وأيًا ما كان سنده أمر يجرمه القانون القائم ولا يحتاج إلى قوانين جديدة.
وأستطيع أن أستطرد فى مئات من الوقائع الصغيرة كلها مجرمة بنص القانون، وكلها تبدو صغيرة وحدها، وكلها تحمل دلالة واحدة وهى مخالفة القانون، لكنها لو تجمعت معًا لشكلت فى مجموعها غولا مخيفا يتجاوز المخالفة إلى التجاوز، بل ويتجاوز التجاوز إلى الخروج الصريح على القانون، بل إن شئنا الدقة إهماله وكأنه لا وجود له، ولست فى هذا متجنيا، لأن هذا رأيهم الذى يعلنونه، وهذه رؤيتهم لمجموعة القوانين التى تحكمنا، والتى يشبهونها بالشريعة التى كان يحكم بها التتار.
مسئولية من هذه؟ ولماذا حفظت فى الأدراج وتجنبناها بحجة الحساسية، وتهربنا من أعمالهم خوفًا من الإحراج، وما وجه المفاجأة بعد ذلك إذا تحولوا إلى وحوش كاسرة، لأنهم عجموا عودنا فى الهين من الأمر فوجدونا نلين معهم ونغلق آذاننا حتى لا نسمع، ونواجه مكبرات صوتهم بأذن من طين والأذن الأخرى وآسف لقول هذا من طين هى الأخرى؟
ومن نطالبه بتطبيق القانون إذا كان مقر رياسة مجلس الوزراء نفسه وأغلب وزاراتنا قد أخليت صالات الأدوار الأولى فيه وفيها لفرش السجاد، وأداء الصلاة جماعة، وقبل ذلك سماع القرآن الكريم، وبعد ذلك فى بعض الأحيان سماع حديث الظهر، ناهيك عما يضيع قبل ذلك من وقت فى لبس القباقيب والقبقبة، لم أجد لفظا آخر يعبر عن المعنى والذهاب إلى الميضأة وإسباغ الوضوء وتقصير الخطوات وإبطائها حتى يزيد عدد قصور الجنة بزيادة عددها، وكأنه لا يوجد قانون لتحديد ساعات العمل وكأن هذا أيضًا أفضل من قضاء حاجات المواطنين وأداء الواجب الذى ينالون عنه الأجر، وكيف ننتظر من مجلس الشعب أن يقود مصر فى ظروفها العصيبة إلى بر الأمان، وأن يصدر من التشريعات ما يحقق صالح الوطن دون مزايدة، بينما عدد كبير من نواب التحالف قد غير فى ألفاظ قسم المجلس وبدل، وبعضهم أضاف إليها عبارات من نوع «فيما لا يخالف القرآن والسنة» أو «فيما ليس فيه معصية للخالق»، وكل هذه العبارات رغم جمالها، وإيمانها وخشوعها الظاهر، لا تغنى عن حقيقة واضحة، وهى أنه لا يحق لعضو فى المجلس أن يضيف إلى ألفاظ القسم، تمامًا كما لا يحق له أن ينقص منها، وعليه فإنى أعلن بصفتى مواطنا، أن قسم هؤلاء الأعضاء باطل، وأن يمينهم غير دستورية، وأنهم ليسوا أعضاء فى مجلس الشعب إلى أن يقسموا اليمين كما هو، لا يزيدون فيه حرفًا ولا ينقصون منه، ولا حجة فى ذلك بظروف الجلسة الأولى، وعدم الرغبة فى بدء المجلس بمشكلة فالدستور هو الدستور، ولائحة المجلس هى لائحة المجلس، والنائب هو من أقسم ما يملى عليه، وليس ما يمليه علينا.
تعيد «البوابة» نشر مقالات للمفكر الراحل فرج فودة علها تكون نفعاً لنا فى مثل هذه الأيام.