رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

إعلانات من دقنه وافتلّه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من قبل أن يبدأ شهر الصيام بأيام تغطت كبارى القاهرة وشوارعها بإعلانات مسلسلات رمضان، بجانب إعلانات قليلة قديمة متناثرة عن المنتجعات والمجمعات السكنية الحديثة. تخيلت أننى زائر عابر لهذه البلد، وقلت لنفسى هذا الشعب مرفه للغاية لدرجة أنه لا ينتج أى شيء فى الحياة سوى مسلسلات وبرامج التليفزيون، ولا يحتاج إلى شيء سوى غرف معيشة فاخرة يتفرج فيها على هذا التليفزيون.
وبما أننى لست زائرا عابرا، فكرت فى أن هذه الأموال الطائلة التى تنفق على المسلسلات والمجمعات السكنية الفاخرة تأتى بالضرورة من مكان ما. لا بد أن هناك إنتاجا ما، صناعة أو زراعة أو اقتصادا خدميا تذهب عوائده إلى هؤلاء الذين ينفقونها فى شراء الشقق والفيلات ويستمتعون بقضاء أوقات فراغهم أمام التليفزيون. وقلت لنفسى سأجد الإجابة فى الإعلانات التى تسبق وتعقب وتصاحب هذه المسلسلات والبرامج. فى النهاية الممول الوحيد والحقيقى لكل هذه المسلسلات والبرامج هو المعلن الذى يدفع لشركة الإعلانات التى تدفع للقنوات التى تدفع لشركات الإنتاج التى تدفع للفنانين والفنيين الذين يصنعون هذه الأعمال.
مع فجر اليوم الأول من الشهر الكريم، بدأ القصف المسلسلاتى ومعه الإعلانات. أصبت بالوجوم الذى هو الذهول الذى هو الدهشة التى هى العجب والتعجب.
معظم الإعلانات عن مستشفيات السرطان والقليل منها عن شركات المحمول والمنتجعات السكنية إياها. 
تقمصتنى عين الزائر العابر مرة أخرى، وقلت لنفسى يبدو أن السلعة الأساسية التى ينتجها هؤلاء الناس هى السرطان!
طبعا هذا تعليق قليل الذوق، ولكنه نابع من التناقض الرهيب بين الرفاهية التى نجدها فى إعلانات المجمعات السكنية والبؤس الذى نجده فى إعلانات مستشفيات السرطان، وفى عدم وجود أى إعلانات أخرى تخبرنا عن نوع الاقتصاد الذى يعتمد عليه هذا المجتمع، غير إنتاج البرامج والمسلسلات.
الأمراض والمستشفيات ليست سلعة، بل عبء على المجتمع والدولة، يحتاج إلى فائض إنتاج لتمويله، ولا بد أن هناك إنتاجا ضخما يغطى المليارات التى تنفق على علاج السرطان وبقية الأمراض. ولا بد أيضا أن هناك اقتصادا قويا يغطى المليارات التى يدفعها الناس لشركات المحمول، والمليارات التى ينفقونها على المجمعات السكنية الفاخرة.
الإعلانات عن المسلسلات والبرامج التى تغطى شوارع القاهرة، والإعلانات التى تذاع بصحبة المسلسلات، تقول شيئا واحدا هو أننا نعيش على اقتصاد «من دقنه وافتله»، يعنى ننتج مسلسلات لنعلن عن خدمات يدفع لها الناس لا إنتاج يرجى منها سوى إنتاج المزيد من المسلسلات وغرف المعيشة التى يجلس فيها من يشاهدون هذه المسلسلات.
ما نوع الإنتاج الذى يعتمد عليه هذا الاقتصاد؟ 
علمى علمك، وأنا لا أعلم ولا أعتقد أنك تعلم. ولكن بالتأكيد هناك اقتصاد ما وهذا الاقتصاد لا يريد أصحابه أن يعلنوا عنه، ويكتفون بالإعلانات عن السلع المكملة التافهة التى يذهب إليها فائض هذا الاقتصاد. سر هذا اللغز العجيب موجود فى المسلسلات نفسها، فهى التى تكشف لنا كيف يعيش هذا المجتمع. وللأسف الشديد، الإجابة محزنة، ومخيفة، ولكن لن أخبركم بها اليوم.
ربما غدا، أو بعد غد.