الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف نواجه الإرهاب؟"٢"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أولا: الديمقراطية بين السماح والمناخ:
إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لمجتمع، أن تنتمى أغلب قيادات الرأى فيه إلى واقع قديم وممارسات مستهلكة، وسياسات انتهازية، بينما لا يسعف الزمن بعد، ولا يسمح المناخ بظهور قيادات جديدة، وتيارات فكرية واعدة، وفيما بين هذا وذاك، يشمل الضباب الجميع ويتنحى أغلب الشرفاء جانبا، ويبدو للكل أنه لا أمل فى مثل هذا الموقف، لا مفر من أن تتسع ساحة الديمقراطية للجميع، دون قيد، ومن أجل صالح الجميع، ولعلى أميل كثيرا إلى تسمية الوضع السائد حاليا فى مصر بالسماح بالديمقراطية، حيث يتم تمرير الديمقراطية من أعلى بالقدر الذى تراه السلطة ملائما، ورغم أن هناك إنجازا قد تم على مستوى السماح الديمقراطى لا ينكره أحد، ويتجاوز ما هو قائم فى جميع البلدان العربية «عدا السودان بظروفه الخاصة» إلا أنه قد أصبح من الضرورى تجاوز هذه الصيغة إلى صيغة أرحب، وهى صيغة المناخ الديمقراطى، حين يتمتع الجميع، وأكررها حتى تكون واضحة للجميع بحقهم فى تكوين أحزابهم المستقلة، وإصدار صحفهم بلا قيد، وحيث يتم تعديل قانون الانتخاب، وإلغاء ما تجاوزه الواقع من قوانين استثنائية، وعلى عكس ما تتوقعه الحكومة نفسها وبمقاييسها، سوف يصبح المناخ الديمقراطى أفضل كثيرا مما هو عليه الآن، وإذا كانت الحكومة تشكو أحيانا من المزايدات وسوء الممارسة وهو أمر صحيح أيضا، فإن من واجبنا أن نلفت نظرها إلى أنها تتحمل مسئولية ذلك، فقد أخلت الساحة للبعض وأخلت الساحة فى الوقت نفسه من البعض، ولو تركت الساحة مفتوحة للجميع، لتصارع البعض مع البعض وتفرغ البعض للبعض، ووجه البعض سهامه إلى البعض، وانشغل بعضهم ببعضهم عن الحكومة والسلطة والنظام، ولوجد المجاهدون «الكبار» هما يشغلهم عن إشعال مظاهرة فى مسجد، أو السعى إلى «ركوب» مظاهرة فى جامعة، ولما أصبح إطلاق اللحى مدخلا للحصول على أصوات الصندوق، ولما أصبح استئصال البروستاتا مدخلا للوم الحكومة على عدم تطبيقها لحد الزنا.
إن استكمال مسيرة الديمقراطية سوف يكون مدخلا إلى اجتذاب من يقبلون بالعمل السياسى والحوار، وفرز من لا يقبلون بهما خارج ساحة الفكر والسياسة، وساعتها سوف تسقط حجة المدافعين عنهم بمنطق أننا ألجأناهم إلى أضيق الطريق، واضطررناهم إلى الخروج حين أغلقنا أمامهم باب الدخول، ولعل من يرون عكس ذلك يدركون أن أسوأ ما يمكن أن يحدث أمام الرأى العام الداخلى والخارجى، هو أن يستتر الإرهاب وراء حجة مقبولة، وأن نتطوع نحن بإعطائه مبررا، ورغم أنه فى تقديرى غير مبرر فى كل الأحوال، ومن واجبنا جميعا سعينا لمحاصرته وتجحيمه وتضييق الخناق عليه، وأن نسعى لإزالة كل مبرراته السياسية مع الآخرين، وقد يعترض علينا البعض بأننا بذلك نخضع له ونستجيب لمطالبه، وأننا لو بدأنا هذا الطريق لواجهتنا أسباب ومبررات أخرى مثلما يعلنونه من مبررات أخلاقية ودينية، وهى مبررات لو استجبنا لها لحققنا إرادتهم وهدفهم النهائى فى تحويل المجتمع من دولة مدنية إلى دولة دينية هم راياتها ومنظورها، والرد على ذلك يسير، فواجبنا أن نستجيب لهم فى السماح لهم بحرية التعبير السياسى والفكرى، لأنه حق لهم، بينما مضمون هذه الآراء ومحتواها ليس حقا بل هو فى النهاية رأى، ومن حقهم علينا أن يحصلوا منا على الحق، لكن ليس من حقهم أبدا أن يفرضوا علينا الرأى.
لقد آن لنا أن ندرك خطر استخدام قوة لتصفية قوة مناهضة، فقد فعلنا ذلك حين أخرجنا الجماعات الإسلامية من قمقمها لمواجهة اليساريين والناصريين، ويتبنى البعض اليوم فلسفة جديدة، وهى أن نفعل العكس، وكأننا لم نتعلم من تجاربنا شيئا، وكأننا لم ندرك بعد مدى خطورة هذه اللعبة، وكيف أنها تبدأ بالحساب ثم لا تنتهى به.
إن الأصوات المرتفعة التى تدعو إلى منع قيام أحزاب على أساس دينى، لا تعد حجة منطقية تقدمها، وهى التخوف من ظهور أحزاب دينية مسيحية وانقسام المجتمع، والذين يرفعون راية التخوف يهملون الفرق بين الفعل ورد الفعل، والتاريخ كله شاهد على أن هذا التخوف لا أساس له، وأن الأقباط يعطون أصواتهم عادة للأحزاب الأكثر أمانا فى قضية الوحدة الوطنية، ثم إن هذا التخوف يهمل الواقع ويقفز فوقه برعونة غريبة، فمن قال إن الأحزاب الدينية غير قائمة، وإنها لا تتمتع بما هو أكثر من الشريعة، حيث تستفيد بمزاياها وتتهرب من تبعاتها، فلا التمويل مراقب، ولا العضوية معروفة، ولا الاجتماعات علنية، بينما مكتب الإرشاد قائم، والمرشد العام موجود، الصحف والمجلات الدينية متعددة ومنتشرة، ونواب البرلمان موجودون وأكثر من ذلك، فقد أدى عدم الاعتراف بمشروعيتهم إلى توزع أنصارهم على الأحزاب المختلفة جميعها، مكونين قوة ضغط «لوبى» لا يستهان بها داخل الحزب، ولعل هؤلاء المتخوفين يراجعون أنفسهم ويدركون أننا فى مطالبتنا هذه لا نزيد بل نسعى لحماية وطن ننتمى إليه جميعا، بل إننا كثيرا ما نضع أنفسنا فى موضع من بيدهم الأمر حين نفكر ونقترح، وأننا ندرك أيضا صعوبة مثل هذا القرار لو كنا فى موضعهم، وأن من يده فى الماء ليس كمن يده فى النار، ولهم أن يصدقونا إذا قلنا لهم إن يدنا فى النار مثلهم، نطفو معا أو نغرق معا، وأنه لا ضير فى أن نختلف، بل وأن نتشاجر، لكن الضير كل الضير أن يرفع أحدنا فى وجه الآخر سلاحا، وينكر ما يراه، تغريرا بالآخر، وتصفية لحساب معه، وليسمح لى الأستاذ الكبير خالد محمد خالد بأن أستعير عبارته الشهيرة: «الديمقراطية الكاملة الآن وقبل ألا يكون هناك آن».
تعيد «البوابة» نشر مقالات للمفكر الراحل فرج فودة علها تكون نفعاً لنا فى مثل هذه الأيام.