رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أعيدوا كتابة تاريخنا العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرًا ما كُنت أسأل نفسى: لم حاز صفة البطولة المُطلقة؟ ولماذا صار حاضرًا فى كُل نكبة كمُخلّص ومُنقذ؟ وما السبب فى استدعائه كرمز دائم للنصر والعزة والكرامة فى أشعار السابقين والمُعاصرين؟. 
عن صلاح الدين الأيوبى البطل المغوار الذى قرنوا اسمه ببطل القُدس وتم استدعاؤه كنموذج مثالى لبطل العرب فى زمن المد الناصرى أكتب. وأتصور أن نظام يوليو بحث عن نموذج أو رمز لشغل الناس فلم يجد سوى الرجل الذى خاض حروبًا لاستعادة مدينة بيت المقدس، وحقق انتصارات جيدة، دون اعتبار حقيقى لانتصارات الرجل فى مجال العدالة والحريات والتقدم العلمى. 
بدأت الفكرة ببث دعاية حول صلاح الدين المُنتظر الذى سيحرر القدس مرة أخرى، وأنتجت مصر فيلما حشدت فيه كافة النجوم والإبداعات باسم الناصر صلاح الدين. وركز الفيلم على التسامح الذى اتصف به القائد المغوار، وانخراطه فى القتال والجهاد لتحقيق العدل والحرية واستعادة بلاد العرب. وفيما بعد استغل كافة الشعراء «صلاح الدين» كنموذج دائم للعزة والكرامة العربية، وكان من اللافت أن التيار الدينى الذى ورث المنابر والميكرفونات التى كان يحوزها التيار القومى العربى وجد الرجل نموذجًا مناسبًا لنصرة الدين، وتطبيق الشرع، والجهاد فى سبيل الله. 
وكان من المؤسف تجاهل الفريقين سمات الاستبداد والدموية والقهر السلطوى التى اتصف بها عهد صلاح الدين، لذا لم يذكر أحد من المُهللين للرجل أنه حارب العرب والمسلمين لسنوات طويلة قبل أن يواجه بحروبه الصليبيين، ولم يلتفت أحد إلى المذابح الشنيعة التى أقامها الرجل لمخالفيه فى المعتقد من الشيعة، والتى وصلت إلى حد إحراقهم، وصلبهم. كذلك لم يُراجع أحد قوانين وتشريعات الرجل التى اتسمت بالحزم والصرامة وليس أدل على ذلك من أن وزير صلاح الدين الأيوبى فى مصر كان بهى الدين قراقوش الذى ضرب به المصريون المثل فى الغباء والظلم. ومر كثير من المؤرخين المعاصرين مرور الكرام على وقائع سفك الدماء التى اقترفها الرجل والتى كان أبرزها واقعة قتل السهروردى العالم المتمكن عندما بلغ صلاح الدين أنه ما ناظر أحدا إلا غلبه. 
والغريب أن التقييم البسيط لمملكة وإمبراطورية الدولة الأيوبية يؤكد أنها أقيمت كدولة عائلية، وأن الرجل لم يكن يبنى مجدًا عربيًا وإنما مجدًا شخصيًا، والدليل أنه قسّم إمبراطوريته بين أبنائه من بعده، وتحاربوا، وقاتلوا بعضهم البعض، بل إنهم استعانوا بالصليبيين أنفسهم لتحقيق انتصارات ضد إخوانهم. 
هكذا وصل الأمر بالناس أن يقدسوا صلاح الدين الأيوبى ويحولوه إلى صنم لا يحتمل الخطأ، وهكذا صار التاريخ العربى أحاديا، لا يقبل تعددية ولا يرضى بتحليل، أو رؤى مناظرة. 
والله أعلم.