الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القانون وحده هو الحل..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان أولى لممثلى بيت العائلة وشيوخ الأزهر وأعضاء مجلس النواب الذين هرعوا إلى قرية كرم أبو قرقاص، المبادرة لزيارة أسر ضحايا الجريمة الإرهابية التى شهدتها القرية بعد عمليات تحريض واسعة النطاق حاولت إيقاظ الفتنة الطائفية. السعى لمواساة الضحايا الذين انتهكت أعراضهم وحرقت منازلهم وقبلهم السيدة الفاضلة «سعاد ثابت» لتضميد جراحها، كان من المفترض أن يكون المهمة الأولى والوحيدة لهم، بدلاً من الهرولة إلى بيت العمدة المتهم الأول بالتقصير، والجلوس فى دواره، مع عائلات المجرمين الذين تعرت ضمائرهم من أى وازع، ومع ذلك خرج الشيخ سامح جلال ممثل بيت العائلة يعلن موافقة عائلات الجناة على قبول الصلح مع عائلة الست «سعاد» والأسر التى تم تدمير منازلها. الكل تآمر على الدولة المصرية مستخدماً بوابة الصلح بين الجانى والمجنى عليه قبل إنفاذ القانون، ولا أكون متجنياً على محافظ المنيا اللواء طارق نصر ووكيل أول وزارة الأوقاف بالمحافظة د. محمد أبو حطب، إذا قلت إنهما كان شريكين فى تلك المؤامرة، عندما خرجا يحاولان نفى الواقعة فى بداية الأمر، ثم القول بأن ما حدث بسيط ولا يستحق كل هذا الضجيج.
ولأن المحافظ بدا منحازاً ضد دولة القانون والمواطنة، رأينا عمدة القرية يطبق المثل القائل (إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص)، حيث راح هو الآخر يؤكد أن تعرية المرأة وحرق ٧ منازل كان رد فعل مبالغ فيه بعض الشيء، على ما أثير بشأن العلاقة غير المشروعة بين زوجة المحرض ونجل السيدة «سعاد»، رغم أن الواقعة محض افتراء من زوج يبحث عن حجج للإمعان فى ظلم زوجته، حتى إن السيدة «نجوى» موضوع الاتهام خرجت إلى الإعلام تطالب بتوقيع الكشف الطبى عليها لإثبات شرفها وحسن خلقها.
والحقيقة أن من خرج يؤكد الشائعة هو من تحوم علامات الاستفهام حول شرفه وحسن خلقه. بيان الرئاسة جاء واضحاً وقاطعاً بشأن ضرورة تطبيق القانون ومحاسبة المتهمين تحت مظلته، غير أن الثقافة السائدة لدى النخبة الدينية لاسيما شيوخ الأزهر وجانب كبير من نخبة الحكم لا تعترف بدولة القانون، وإنما بما يمكن تسميتها بدولة (الضحك على الذقون).
فى «دولة الضحك على الذقون» يتم إجبار المستضعفين على الصلح مع من انتهكوا أعراضهم وسلبوا أموالهم وأحرقوا بيوتهم وأخرجوهم من ديارهم، هكذا كان يحدث دائماً فى أغلب الحالات التى شهدت حرق منازل مواطنين مسيحيين وتهجيرهم من قراهم ومدنهم، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن تمت جلسات بالقضاء العرفى لحل ما ينشب من نزاعات ومشكلات بين العائلات.
فللقضاء العرفى أحكام وقوانين متوارثة لا تقبل الظلم ولا التميز بين الماثلين بين يدى القاضى، وأتحدى أن يقبل عمدة قرية الكرم وأسر وعائلات الإرهابيين الجناة الامتثال لأحكام قاض عرفى يتفق عليه عائلات الجناة والمجنى عليهم، لأنهم يعرفون تماماً حكم انتهاك العرض وحرمة البيت وترويع الأمن، فقد يقضى بما هو أقسى وأشد مما قد يحكم به قضاء المحاكم طبقاً لقانونى العقوبات ومكافحة الإرهاب. ومجالس القضاء العرفى فى صحارى مصر ووديانها تحمل أرشيفاً كاملاً لتلك الأحكام. لذلك نقف جميعاً خلف السيدة «سعاد ثابت» حتى تنال حقها، داعمين وبقوة موقف الأنبا مكاريوس وتمسكه بدولة القانون والمواطنة، وهو الرجل الذى يقدم نموذجاً لرجل الدين الحق والمستنير والمستمسك بالدولة المدنية الحديثة التى يتساوى فيها مواطنوها أمام القانون والدستور.
القانون الذى بكلمته تستقر المفاهيم والقيم الإنسانية التى دمرها وشوهها خطاب دينى معوج لا يبدو أن فى الأفق أملاً فى إصلاحه وتقويمه.
ليس أمامنا سوى كلمة القانون ككلمة سواء تعيد الحق لأصحابه، وتردع الظالم عن ظلمه، وتفرض الأخلاق على الضمائر التى أفسدها خطاب المتشددين والمغالين الذين لا يتصدون إلا بتوافه الأمور وصغائرها.