الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المنيا تدق أجراس الخطر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمر مصر منذ أحداث 25 يناير، بمرحلة حساسة وخطيرة في ذات الوقت، فهي رهينة صراعات داخلية بين الدولة وأعداء الوطنية المصرية، وأخرى خارجية لكبح جماح الحفاظ على مقدراتنا وهويتنا من التساقط جراء رياح الربيع العربي، وبالتزامن تقبع الدولة من خلال مؤسساتها الحكومية تحت ضغط الفساد، دون وجود حلول أو عقاب حقيقي من قبل المعنيين للتصدي لهذه المنظومة التي باتت تسيطر على كل شيء، فضلًا عن تتقاطع مصالح السياسة ورجال الأعمال، وهو ما ينعكس بالسلب على حياة المواطنين.
لذلك، أصبحنا نعيش في ظل استقرار اجتماعي ظاهري، قائم على بناء هش، بسبب توغل الفساد، وتراكم المشاكل، دون وجود حلول حقيقية حتى الأن للقضاء على منظومة الفساد التي تحميها القوانين المعيبة، مما ينذر مع تقادم الزمن بحدوث انفجار أخلاقي مالم تسيطر الدولة عليه من خلال تشريعات جديدة تمكن أجهزة الرقابة من الرقابة بمفهومها الحقيقي.
إن حادث الاعتداء على سيدة المنيا وتعريتها، ما هو إلا نتاج طبيعي لتراخي الدولة منذ عشرات السنين في مثل هذه الحوادث، التي تحل ظاهريًا بالمصالحات العرفية، وهو ما يساهم في تكرار هذه الأحداث مرة أخرى، لأن الردع المتمثل في القانون تم تعطيله وبالتالي تتراجع هيبة الدولة التي تكتفي بالدور التحذيري فقط، حتى ضاعت المواطنة في أغلب محافظات الصعيد.
منذ قديم الأزل وجميعنا يعلم ويعرف جيدًا أن الصعيد له قوانينه الخاصة، كما لو كان دولة داخل الدولة، فهو اليوم يحكمه ميزان العصبيات والعائلات لا ميزان العدالة والمساواة، ويقوده منظومة القوة لا القانون، ومع غياب دور الدولة هناك وجدت جماعات الظلام ضالتها في هذه المنطقة، لتمارس نشاطها في إشعال الفتن بين أبناء القرية الواحدة، وفي نفس الوقت يرتمى المواطن المسيحي في أحضان كنيسته سياسيا كما لو كانت هي الدولة.
وبعد رفض سلطات الأمن في أبو قرقاص عمل محضر بالواقعة في بدايتها، كان من الطبيعي أن تلجأ سيدة المنيا إلى الكنيسة، وبالتزامن ظهر في المشهد (بيت العائلة) لاحتواء الموقف بدعم من شيخ الأزهر، وبدوره قام الأنبا تواضروس الثاني، بالاتصال من مقر إقامته بالنمسا بالست سعاد للاطمئنان عليها وطمأنتها، كل ذلك مقبول من الناحية الاجتماعية والإنسانية، لكن علينا الحذر من أن يكون هذا هو المسار الرئيسي لحل الأزمة.
إذا سمحت الدولة بإنهاء خصومة هذه الواقعة من خلال الجلسات العرفية ومشاركة رجال الدين، فهو سيكون بمثابة إعلان التراجع عن مفهوم الدولة المدنية لصالح الثيوقراطية، مما يعني وأد الديمقراطية في مهدها، لأننا قبلنا بحلول لا تميز بين حكم قاض يستند إلى القانون والدستور وحكم عاطفي مبني على توجهات قبلية يساوي في أحكامه بين الجاني والضحية.
إن حادث تعرية الست سعاد ما هو إلا تعرية لجسد مصر بأكملها، وهو ما يعد إنذارًا بالخطر، يجب الإنصات له جيدا، مع العمل على احتواء الأزمة بالقانون، لحفظ حقوق الجميع، والمساواة فيما بينهم على أساس التماثل بين البشر في الذات الإنسانية، وأي حل دون ذلك يعني عدم وجود مكان لأحلام الديموقراطية أو الدستور أو إعلاء قيمة القانون، ولا قيمة لأي شعار يتغنى بالمواطنة والوطنية، طالما قبلت الدولة استقواء البعض عليها بالعصبيات وأعرافها.
ولأن مصر ليست ببعيد عما تشهده المنطقة من حروب أهلية وطائفية، وصراعات وجودية، تستهدف مكونات الشرق وجغرافيته، وهويته وحضاراته، حتى أصبحنا في مرحلة تاريخية مهمة تتطلب منا جميعا تضافر الجهود لإطفاء فتيل الفتن الذي يستمد وقوده من الفقر والجهل والمرض وهو المثلث المدمر لأي دولة حال وصوله لأركانها، واستحكامه لأهم ثرواتها المتمثلة في الإنسان.
لن تستطيع الدولة التصدي لهذا الخطر إلا من خلال إيجاد حلول حقيقية، لكل الأزمات العالقة منها والفاعلة في تكريس المشكلات في شتى المجالات، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وهو ما يساهم بشكل كبير وسريع في بناء الدولة وتقدمها من خلال رؤية وخطط استراتيجية يستفيد من عائداتها الجميع، ليساهم ذلك بشكل مباشر في إعادة بناء ثقافة المجتمع وعلاقته بالدولة من خلال الحقوق والواجبات.
إن النظم السياسية الناجحة، هي من تمتلك القدرة على صناعة الأمل وتحقق العدل وترسخ مبدأ المساواة بين الجميع، حينها ينام الوطن ويبقى المواطن ساهرا لضبط الأمن وتحقيق الازدهار.