الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أعيدوا التدبير.. منهج دراسة وحياة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثناء جولة الرئيس السيسى فى اليابان، طلب زيارة إحدى المدارس، ليرى بنفسه طبيعة الدراسة اليابانية، ويقف على ما يميزها عن مثيلتها المصرية، وشاهدنا تلك الزيارة على الشاشات، وما يميز تلك المدارس من بناء لشخصية التلاميذ، والاهتمام بتعليمهم الطهى وأعمال النظافة والأعمال اليدوية المختلفة بجانب المواد الدراسية، وهو ما يعظم من التعاون بين التلاميذ ويكسبهم المهارات اليدوية، وعندما أظهرت استحسانى لهذا الأسلوب التربوى، وجدت أحد أقربائى من كبار السن، يقول إن مدارسنا كانت تقوم بذلك فى العهود السابقة، فيما يسمى حصص التدبير المنزلى والأشغال اليدوية لتعليم الطهى والتطريز والخياطة والنظافة، وكيفية تدوير استخدام الأشياء للانتفاع بها إلى أقصى مدى، واكتساب مهارة التدبير لتكون المخلفات المنزلية على أضيق نطاق، وأن تلك الدراسات كانت تساعد الفتيات لتصبح أمًا قادرة على بناء أسرة سليمة وبأقل التكاليف. وعرفت أن ذلك هو ما جعل معظم جداتنا يجدن الحياكة وأعمال الإبرة من تريكو وكوروشيه لصناعة البلوفرات والقفازات وغيرها، إلى جانب مهارتهن فى تطريز المفروشات والملابس وخياطتها.. فلم يكن المجتمع كما هو الآن مجتمعا استهلاكيا ومهلكا لموارده الشخصية والمجتمعية، بل كانت ربات البيوت كما كان يطلق عليهن يتفنن فى الصناعات اليدوية البسيطة، وفى توفير احتياجاتهن بأضيق الإمكانيات، ولكن أصابنا التكاسل وأصبحنا نستهلك فقط فى كل شىء.. بل أصبح استهلاكنا يفوق احتياجاتنا بمراحل وأصبحت بيوتنا مكدسة بما لا نستخدمه فعليا، والبركة فى ثقافة «الشوبينج» والتخفيضات والعروض التى تجعل الأسر تقتنى مالا تحتاجه!! إلى جانب الفكر الاقتصادى الصهيونى الذى سيطر على العالم ونشر فكرة كروت الفيزا، والتى تيسر عملية الإنفاق والشراء، فتدفع الناس إلى زيادة الاستهلاك، وتجعلهم ينفقون أكثر من إمكانياتهم دون أن يشعروا.. لذلك أصبحت الكثير من الأسر مدينة للبنوك، لأنها أنفقت فوق مواردها وإمكانياتها، مما يزيد أعباءهم نتيجة لما اقترفت أيديهم بالإسراف والانسياق الأعمى وراء القيم الغربية الاستهلاكية، وهو ما يزيد البنوك ثراء، ويدفعها إلى البحث عن المزيد من الضحايا الذين يستطيعون إغراءهم بكروت الفيزا المدفوعة مقدما، والتى أصبحت تمنح من البنوك دون شرط امتلاك رصيد مسبق، وإنما تقدم بضمان الوظيفة أو بضمان كارنيه العضوية فى أحد النوادى الكبرى!! وذلك لما تدره من أرباح طائلة على البنوك، مما يزيد ثراء الأثرياء وفقر الفقراء ويزيد الضغوط والمعاناة على الطبقة الوسطى!!.. فهل هذا التحول السلوكى حدث بإرادة الشعب أم انساق له؟! لقد تحولنا دون أن ندرى إلى كائنات مستهلكة، ونجح المغرضون فى تغيير سلوكنا واستنزاف مواردنا العربية، بداية من اختراع المشروبات الغازية التى غزت معدة الإنسان العربى بديلا عن المشروبات الصحية التى اعتادها سواء المثلجة مثل التمر هندى والشعير والخروب، أو الساخنة كالسحلب والكاكاو والينسون.. ثم غزو الأطعمة الأمريكية ومطاعمها الشهيرة والتى وصلت إلى المدن الريفية، والتى كانت لا تعرف المطاعم إلا عند زيارة القاهرة أو الإسكندرية.. ويوما بعد يوم غابت عن البيوت الموائد العامرة بما لذ وطاب من أيادى الأمهات، وحل محلها أطعمة اللحوم المجهلة والمعجنات والبيتزا وأصبحت هى الأكلات المحببة وليس لها بديل، والأمهات استسهلن التغيير الذى يوفر عليهن مجهود الطهى، ليستثمرن هذا الوقت فى الجلوس فى الكافيهات والنوادى، التى تستنزف ميزانياتهم دون أن يدرين!! تلك الثقافة التى سادت المجتمعات العربية تحتاج حملات ثقافية وإعلامية للتوعية بخطورة هذا الانسياق والعودة إلى الإيمان بأهمية التدبير فى كل احتياجاتنا، ونعيد إلى الأذهان فضيلة الادخار والكلمات المأثورة عنه مثل «القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود».. وأن نتذكر أننا سنسأل أمام الله عن أموالنا وفيما أنفقناها، وأن تلك الأموال التى نستهين بها لا تعود على الفرد فقط بالمنافع، ولكن تعود على المجتمع وتساعد فى بنائه والنهوض به، وأن ما نفعله نوع من الإفساد فى الأرض، ولا بد من تهذيب نفوسنا.. وإخضاعها للقناعة والرضا.. فعلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون أن يشن تلك الحملات بشكل مكثف وجذاب، وعلى وزارة الثقافة التى لا نرى لها دورا حقيقيا فى التثقيف والوعى للنهوض بالمجتمع، أن تسخر هيئاتها للقيام بحملات دعائية سواء بالتعاون مع وزارة الإعلام وهيئاتها أو بالكتب والملصقات والندوات وورش تعليم الأطفال والأغانى والمسرحيات، وأطالب فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب باستكمال دوره الوطنى بالتوعية بضرورة التدبير سواء دينيا أو اجتماعيا، وأيضا وزير الأوقاف د.مختار جمعة للقيام بنفس الدور من خلال الخطب الدينية يوم الجمعة وتوحيدها، لأننا فى حاجة ماسة أن نتكاتف جميعا وخاصة ونحن نعانى من حالة اقتصادية متردية، ومكافحة الإسراف لا بد أن يصبح مشروعا قوميا، وأن نطرح أمام المجتمع النماذج الرائعة لأسر كبيرة العدد محدودة الدخل، ومع ذلك قامت بتعليم أبنائها وأوصلتهم إلى أعلى المراكز، ونقدم لهم الجوائز المعنوية ورحلات الحج والعمرة تكريما واحتراما للبناء والتضحية.. وهم كثر فى بلدنا، علينا أن نعلو بالهمم ونعزم ونتوكل للنهوض بوطن يئن.