الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل رضيَ عبدالراضي؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما بال هذا الزمان لم يعد ينجب رجالا كهؤلاء الذين يرحلون؟! فالآن- ومع رحيل كل مناضل- نتلفت لنكتشف أن لا أحد من الآتين الجدد مثله، فالزمن الذى رحل أخذ كل ممكنات استنبات زهور كتلك التى كانت تنمو فى حديقة اليسار، زهور تمتلئ عطرا وترتوى بعرق النضال، وتتحمل مشاق السجون، وتتحدى التعذيب والاضطهاد، بل هى زهور آتاها التحدى تحولت سنديانات راسخة تصمد وتتحدى العدو، وتظل تمتلئ عطرا اسمه "عطر النضال"،
زماننا الحالى يفقد رجال الزمن الماضى- واحدًا واحدًا- دون أن يأتى مثلهم، قد يأتى مناضلون وقد يكونون صامدون فى صلابة، ولكن بلا عطر الزمان الجميل ولا تحدى زهور الزمان الراحل، وفى حقل العمل النقابى- بالذات- نكتشف حاجاتنا الملحة لمن رحلوا ولمن يرحلون.
وسيد عبدالراضى واحد من هؤلاء، عامل يتبدَّى هادئا ووديعا ولكن لا ينحنى، صلبا لا ينكسر، بسيطا لا يتفلسف ولكن يعمل، يناضل، ويناضل، ليس فى أوقات الفراغ بل يهب كل وقته وكل حياته للنضال.
وفى أيامه الأخيرة شعر بحسرة رحيل الابن، لكنه ظل متماسكا أمام الجيل الجديد ليلقنهم كيف يكون التحمل، وواصل- بقدر قدراته الصحية- والنفسية تقديم كل ما يستطيع فى ساحة العمل العمالى، وكانت متعته الحقيقية أن يذهب إلى مقر التجمع يتأمل وجوه الأصدقاء وكأنه يختزنها فى ذاكرته، ويستطلع تحركات وأحاديث الشباب آملا أن يكونوا مستحقين لتلقى ميراث التجمع، ويستريح- فى غرفتى- صامتا متأملا ما كتبتُ وما أكتبُ، ومشجعا فى دهاء، وكأنه يستحثنى على أن أقدم المزيد وأن أضع فى كلمات سخان يشحنها بمزيد من الحسم وأجادله فيرد برفق: "زى بعضه، على العموم ما تكتبه حلو وشجاع ونحتاج مثله وأكثر منه"، هذه كانت آخر كلماته فى آخر زيارة لغرفتى، وعندما نهض محاولا أن يشد قامته وعدته أن يكون سكين كلمات أكثر حدة، وهز رأسه وكأنه يقول: "أنا عارف".
ذهب لأجده بعدها مع كومة من شباب الحزب يتأملهم وينصت ويواصل الإنصات لهم، ولم أسأله هل هو راض عنهم؟ وإن كنت يوما قبل رحيل ابنه وكان ساعتها يدخل مثل سهم لينتقد، فقلت له: "يا عبدالراضى.. ارضَ وانصح بالمزيد"، وفعلها.
وأخيرا رحل عبدالراضى، ولكنه رحل راضيا عنا وعن نفسه وعن كل قبيلة عبدالراضى التى تتكون من أبناء وأبناء أخ رعاهم جميعا ولقنهم جميعا فنون نضال لا يعرف التراجع.
فوداعا يا عبدالراضي.