الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النقاب .. وسطٌ بين تطرفين! "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لكي نحدد موطن النزاع في مسألة النقاب، فإنه لا بد وقبل كل شيء أن نجيب عن: هل النزاع في هذه المسألة على مشروعية النقاب من عدمه؟ أو على فرضيته على المسلمة من عدم فرضيته؟
وكذلك أيضًا نحتاج إلى أن نجيب عن سؤال هام جدًا متعلق بالتوقيت، أو: لماذا الآن؟! لماذا طرح هذه المسألة وإثارة هذه الفتنة في هذا التوقيت تحديدًا؟!
بل لماذا تثار الأزمة تلو الأزمة والفتنة تلو الفتنة في أمور دينية محضة عبر وسائل الإعلام وليس في حلقات العلم ومحافل البحث وقاعات الدرس، ولا تكاد تموت فتنة أو تهدأ، حتى تسعى فئات بعينها للبحث عن أمر آخر يصلح لأن يكون الفتنة الجديدة، ومن ثم يتم إحياؤها؟!
ثم ... لماذا لا تثار الفتنة إلا بأمور دينية في توقيت تحارب فيها الدولة تيارات بعينها تدعي أنها تمثل الإسلام؟! وهل لهذا علاقة بمحاولات تلك التيارات الإرهابية لصبغ الدولة المصرية بصبغة الدولة التي تحارب الإسلام لا الإرهاب؟!
وهل تعطي هذه الفتنة المثارة واحدة تلو الأخرى المبرر، بل وقبلة الحياة للإرهاب وأهله، ممن يزعمون كفر الدولة وأنهم يحاربون مرتدين؟!
هذه الأسئلة وغيرها الكثير تحتاج للإجابة أولًا وقبل كل شيء، لنعرف ماذا يريد من يثيرون الفتن ويحيون القلاقل بين أبناء الوطن، وهل ما يقومون به هو مجرد بحث علمي منزه عن الهوى فيحترم صاحبه مهما اختلفنا مع رأيه؟ أم أن لهم أهداف أخرى غير معلنة سوف تكشف الأيام القادمة عنها، كما كشف الأيام الماضية عن غيرها .
و لعل من يعيش رجبًا يرى عجبًا!
وستبدي لك الأيام ما كان خافيًا.. ويأتيك بالأنباء من لم تزودِ.
و أما الآن فلنعد أدراجنا من حيث بدأنا، ولنرد الأعجاز على الصدور، فنرى أول سؤال طرحناه، حول مشروعية النقاب في الشريعة الإسلامية المطهرة، وهل النقاب فريضة ملزمة ومحتمة على كل مسلمة، لابد لها منه، بمعنى أنه يجب على كل مسلمة أن تلبس النقاب فرضًا عينيًا كما الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الفرائض؟
أو أنه فضيلة تخير المرأة بين لبسه من عدمه ولها حرية الاختيار، فإن أرادت أن تلبسه فتلك إرادتها لا يحجر عليها، وإن لم ترد لم يكن لأحد أن يجبرها عليه، وليس عليها من عابٍ، ولا يلحقها وزر أو إثم ؟
أما أنا فالذي تميلُ إليه نفسي ويطمئن إليه قلبي، وما أدينُ الله به، وأعتقده، هو ما عليه جمهور الفقهاء والعلماء من السلف والخلف بأن النقاب معروف ومشروع ومنصوص عليه في شريعة الإسلام، وأنه فضيلة، وليس فريضة تفرض على المرأة المسلمة، فإن أرادت أن تلبسه لم يكن لأحد أن يمنعها، كما أنها إن لم ترد أن تلبسه، فلم يكن من حق أحد أن يجبرها عليه.
فالنقاب إذن لا يجب على المسلمة وجوبًا عينيًا، وإنما الواجب فقط هو أن تستر بدنها كله خلا الوجه والكفين، وذلك لتضافر النصوص على ذلك، فإن فعلتْ فقد أدت ما فرض ربها عليها وما لأحد عليها بعد ذلك من سبيل ولا سلطان.
وهذا الرأي هو رأي جمهور الفقهاء والعلماء من السلف والخلف، ومخالفوهم من الحنابلة وغيرهم ممن يقولون بفرضية النقاب ليس عندهم من دليل على قولهم البتة، إذ أن الأحاديث الواردة في هذا الباب والتي يستدل بها من يقول بفرضية النقاب، ليس فيها حديث واحد صريح صحيح في المسألة، فكل حديث صحيح غير صريح، وكل حديث صريح غير صحيح .
وعليه فإن الأمر الوسط الذي ننشده في مسألة "النقاب"، والذي نقف فيها بين الطرفين المتطرفين في المسألة ما بين مانع ومحرم بغير دليل عقلي أو شرعي، وما بين موجب من غير مسوغ شرعي وديني، هو أن النقاب مشروع في الإسلام، وأن حكمه الإباحة والتخيير، تخير المسلمة بين لُبسه من عدمه، ولها كامل الحرية في الاختيار، وليس من حق طرف من الطرفين المتطرفين أن يحجر على حقها أو أن يفرض رأيه عليها.
بل أزيد من الشعر بيتًا، فأقول بأنه لو ارتأت الدولة ممثلة في الحاكم أو رئيس الدولة أو الحكومة، أن تمنع النقاب في منطقة معينة، أو في زمان محدد، ولسبب محترم شرعًا وعقلًا وعرفًا، فإن لها أن تفعل، ويكون في هذه الحالة واجبًا على المسلمة أن تطيع وأن تخلع النقاب، وتكون آثمة إن لبسته .
و ذلك كأن تمنع الدولة –مثلًا- لُبس النقاب في منطقة من مناطق تفشي الإرهاب، لحين القضاء على الإرهابيين، وذلك لكون الإرهابيين يتخفون في ملابس النساء، ويتسترون خلف النقاب ثم ينفذون، عملياتهم الخسيسة، ويسيلون الدماء الطاهرة الذكية، ويعتدون على الحرمات ويروعون الآمنين، فإذا ارتأت الدولة أن تمنع النقاب في مكان تفشي هذا الإرهاب مثلًا، لحين القضاء عليه، فإن هذا سبب معتبرٌ جدًا شرعًا وعقلًا، ويكون في هذه الحالة الالتزام بهذا الأمر واجبًا، وتكون من تخالفه من المسلمات آثمة، وعليها من الوزر ما يساوي وزر كل دم يراق بسبب عدم التزامها.
والخلاصة مرة أخرى أن النقاب فيما أعتقد، هو ما عليه جمهور الفقهاء والعلماء سلفًا وخلفًا، قديمًا وحديثًا، أنه فضيلة لا فريضة، وأن المسلمة مخيرة في ارتدائه من عدمه وليست مجبرة على لبسه أو خلعه، وهذا هو الرأي الوسط بين التطرفين.