الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

ننشر حيثيات حكم القضاء الإداري بحظر إقامة الملاهي الليلية وقاعات الحفلات بالقرب من الكنائس.. المحكمة: مصر مهد الأديان السماوية.. وكل عمل يمس وقار الشعائر الدينية ينبغي منعه

المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في حكم يؤكد الهوية المصرية وروح التسامح التي تسود الشعب المصرى، باعتبار أن مصر حاضنة الأديان السماوية، أكدت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أنه محظور إقامة الملاهى الليلية أو قاعات الحفلات بالقرب من الكنائس، وأن مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية، وأن كل عمل يمس وقار الشعائر الدينية ينبغي منعه، وأن هذا الوقار يتوافر للمسجد كما يتوافر للكنيسة أيضًا، فكلاهما دار عبادة ويتمتعان بالحماية ذاتها التي أوردها الدستور والقانون، وهي حماية قوامها أن أفراد الشعب باختلاف طوائفهم وشعائرهم الدينية هم نسيج واحد، يظلّلهم جميعًا مبدأ المواطنة دون تمييز فيما بينهم.


كما أكدت المحكمة أن قرار الوزير المختص بتحديد مسافة الـ 100 متر بين تلك المحال وبين دور العبادة يعد غصبًا لسلطة المُشرع الذي لم يفوضه ويتصادم مع طبيعة العصر، مؤكدة أن الحفاظ على وقار دار العبادة وطهارتها وقدسيتها سواء كانت مسجدًا أو كنيسة لا تحسمها قياسات حسابية منضبطة بأرقام محددة وهو ما فعله المُشرع وخالفه قرار الوزير المختص ومنحت المحكمة وزارة الداخلية السلطة التقديرية في تقدير المسافة بين دار العبادة وأماكن اللهو حفاظًا على النظام العام والآداب العامة.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز وخالد شحاتة ووائل المغاورى، نواب رئيس مجلس الدولة، بتأييد قرار الوحدة المحلية لمركز ومدينة كفر الدوار فيما تضمنه من غلق قاعة الحفلات وغيرها من المناسبات والأفراح بأحد المراكب العائمة بفرع النيل المطلة على كنيسة ماري جرجس وألزمت المدعية مالكة المركب بالمصروفات.
وقالت المحكمة إنه لا يجوز إقامة الملاهى الليلية أو المحال لإقامة الحفلات وغيرها من المناسبات والأفراح بالقرب من الأماكن المعدة للعبادة التي تمارس فيها الشعائر الدينية أو الأضرحة التي تكون موضع احترام الجمهور أو الجبانات، وأن حظر إقامة الملاهي الليلية أو قاعات إقامة الحفلات والأفراح بالقرب من دار العبادة سواء كانت كنيسة أو مسجدًا مناطه هو الحفاظ على وقار دور العبادة وطهارة ممارسة الشعائر الدينية بها دون تفرقة، وهذا الوقار يتوافر للمسجد كما يتوافر للكنيسة أيضًا، فكلاهما دار عبادة ويتمتعان بالحماية ذاتها التي أوردها الدستور والقانون، وهي حماية قوامها أن أفراد الشعب باختلاف طوائفهم وشعائرهم الدينية هم نسيج واحد، يظلّلهم جميعًا مبدأ المواطنة دون تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العِرق أو اللون أو اللغة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، فالمواطنون لدى القانون سواء وهو متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة.
وأضافت المحكمة أن مصر في العالم القديم كما قال هيرودوت من أكثر شعوب العالم تمسكًا بأهداب الدين، ومصر كما جاء بديباجة الدستور المعدل الصادر في 18 يناير2014 هي "مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية، في أرضها شبَّ كليم الله موسى عليه السلام، وتجلَّى له النور الإلهي وتنزلت عليه الرسالة في طور سنين. وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعًا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام، وحين بعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كل ليتمم مكارم الأخلاق انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض جهادا في سبيل الله ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين في العالمين هذه مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا "، ومما لا ريب فيه أن هذه الأسس الدستورية وإن وردت في ديباجة الدستور تحت عنوان " هذا دستورنا " إلا أنها تُكوّن مع أحكامه كلاًّ غير منقسم Bloc de Constitutionnalité، تندمج في أحكامه وهو اندماج يمنحها ذات القوة التي تتمتع بها نصوص الدستور.
وذكرت المحكمة أن أحكام الدستور قد أكدت على حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، ولذلك فإنه ممارسة تلك الشعائر في سكينة ووقار لا تنفصل عن أصل الحرية التي كفلها الدستور في هذا الشأن ويضحى معه كل ما ينال منهما عملا يمس وقار الشعائر الدينية ينبغي منعه، وإعمالًا لذلك فإنه ولئن أجاز المشرع الترخيص بأنشطة الملاهي المختلفة دعمًا للاقتصاد والسياحة، إلا أنه لا ينبغي أن تختار لها مكانًا بالقرب من دور العبادة لتعارض ذلك مع طهارة وقدسية الشعائر الدينية التي تقام بين جدرانها ولم يجز المشرع إقامة أو إدارة ملاه إلا في الجهات أو الأحياء أو الشوارع التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص واوجب المشرع موافقة وزارة الداخلية إذا تضمن القرار جهات أو أحياء أو شوارع لا يجوز فيها فتح محال عامة من النوع الأول. 
وأشارت المحكمة أن مياه نهر النيل وفروعه المنتشرة في جميع أرجاء البلاد وكذلك الترع، هي ثروة قومية يتعين الحفاظ عليها بحسبانها موردًا طبيعيًا لمياه الشرب بالنسبة إلى الإنسان، وتتعدد أغراضها كذلك لتعم سقاية الحيوان والنبات وتوليد الكهرباء والطاقة، وتسيير الملاحة الداخلية، هي مجالات عدة لو تركت دون تنظيم لاصبحت عدوانًا على موارد المياه الطبيعية، واستحالت إهدارًا أو إسرافًا لموارد البلاد المائية ومن أجل ذلك تعاقبت القوانين التي تهدف إلى حماية مياه النيل وفروعه من التلوث، وكذا إلى تنظيم سير الملاحة الداخلية عبر مياهه، وحماية نهر النيل وفروعه لم تقتصر على تنظيم ما يسير أو يستقر فيه من عائمات أو مراكب، بل تمتد تلك الحماية إلى ما يمارس على متن تلك العائمات من أنشطة تدخل في نطاق التنظيم القانوني للمحال العامة أو الملاهي بحسب الأحوال، إذ أن أحكام القانون لا تحول دون مباشرة تلك الأنشطة على أية وسيلة من وسائل النقل البري أو النهري أو البحري، وهو ما يرخص في مباشرتها على متن المراكب المرخص لها بالسير أو الاستقرار في المياه الداخلية ومن بين ما نص عليه قانون الملاهي اشتراط موافقة وزارة الداخلية لترخيص الملهي في أحد الجهات أو الأحياء أو الشوارع التي لا يجوز فيها فتح محال عامة من النوع الأول.
واستطردت المحكمة أنه لا يوهن سلامة هذا النظر، القول بأن قرار وزير الشئون البلدية والقروية رقم 698 لسنة 1957 والمعدلة بقراره رقم 1655 لينة 1957 بشأن الاشتراطات العامة الواجب توافرها في الملاهي، قد نصت على ألا يقل البعد بين أية نقطة من حدود الملهى وبين أقرب نقطة من حدود دور العبادة المصرح بإقامة الشعائر الدينية فيها عن 100 متر، وأن مركب المدعية تبعد عن دار العبادة القديمة الموجودة داخل كنيسة مارى جرجس مسافة 158 مترًا، وتبعد عن دار العبادة الجديدة الموجودة داخل ذات الكنيسة مسافة 114 مترًا. فذلك القول مردود عليه بأن القانون حينما حظر الترخيص بالملاهي أو أي من المحال الواردة من النوع الأول من قانون المحال العامة في أماكن تقع بالقرب من دور العبادة لم يحدد مسافة معينة يتعين عدم تجاوزها، وإنما اكتفى باستخدام عبارة ( بالقرب ) من دور العبادة تاركًا تقدير مدى هذا القرب وأثره لوزارة الداخلية باعتبارها هي الجهة التي ناط بها الدستور أن تكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة وفقا لظروف كل حالة على حِدَتِها ومما لا شك فيه أن مباشرة نشاط قاعات الأفراح أو الملاهي الليلية وما ينجم عنهما من صخب وضوضاء، أمر يمس ما تحتاجه دار العبادة من الوقار والسكينة والخشوع. وبالتالي فإن القرار الوزاري سالف الذكر – وهو تشريع لائحي أدنى مرتبة من مرتبة القانون – ما كان له أن يبتدع قيدًا لم ينص عليه القانون ويعد غصبا لسلطة المشرع، ولم يفوضه المشرع في ذلك التقييد الذي أطلقه المشرع للجهة الإدارية بغية الحفاظ على النظام العام والآداب العامة، ذلك أن الحفاظ على ممارسة الشعائر الدينية داخل دور العبادة وفي بيئة ملائمة يسودها الوقار والسكينة هي من المصالح العليا للبلاد وينبغي إعلاء شان المصالح العامة على الصوالح الخاصة.
وأشارت المحكمة أنه وقد استبان للمحكمة مخالفة القرار الوزاري المشار إليه لأحكام القانون على نحو ما سلف البيان فإنها تهدر ما ورد به من قيد المسافة بين الملهى ودار العبادة، خاصة وأن الحفاظ على وقار دار العبادة وطهارتها وقدسيتها سواء كانت مسجدا أو كنيسة لا تحسمها قياسات حسابية منضبطة بأرقام محددة، فالأمر مردّه إلى ظروف كل حالة وطبيعة النشاط بالملهى وخاصة أنه من غير المنطقي ولا المقبول عقلًا أن يكون ملهى على بعد تسعة وتسعين مترًا مثلًا من دار العبادة، مخالفا للقانون ويسبب ضررًا وإزعاجًا ومساسًا بوقار دار العبادة، بينما لا يتسبب ملهى آخر يقع على مسافة 101 متر مثلا في هذه الأضرار رغم أن الفارق مترين فقط ضئيل للغاية، مما لا مناص معه من منح وزارة الداخلية السلطة التقديرية بعد إجراء المعاينة على الطبيعة من معايير تلجأ اليها خاضعة فيها لرقابة القضاء للحفاظ على دار العبادة في ضوء النظام العام والآداب العامة.
واختتمت المحكمة حكمها المستنير أن الثابت من الأوراق أن المدعية حصلت على الترخيص من الإدارة العامة لري البحيرة بدمنهور، بإقامة مرسي لمركب نزهة على البر الأيسر لترعة المحمودية عند الكيلو 45، 5، وحصلت على الترخيص بالمركب من قسم الملاحة الداخلية بمحافظة الإسكندرية، وذلك لاستخدامها في أغراض النزهة، واختارت لها المدعية مكانًا لتستقر به أمام شارع بورسعيد في مدينة كفر الدوار والثابت من كتاب رئيس قسم حماية الآداب بإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن البحيرة والمرفق بمستندات جهة الإدارة، أن قاعة إقامة الحفلات والمناسبات الموجودة على متن المركب، تقع أمام دار عبادة وهي كنيسة ماري جرجس، وارتأت الإدارة المذكورة عدم الموافقة على الترخيص للمدعية بذلك النشاط لوقوعها بالقرب من كنيسة ماري جرجس وهي بلا ريب دار عبادة محمية بالدستور مثلها مثل المسجد ولما كان وجود قاعة الحفلات والمناسبات المشار إليها بما تستصحبه من صخب بجوار دار عبادة ينال من قدسيتها ويحول دون ممارسة الشعائر الدينية بها على الوجه الأكمل اللازم للخشوع لله بدور العبادة، فمن ثم لا تملك جهة الإدارة أن تصدر ترخيصًا بمباشرة ذلك النشاط بالقرب من دار العبادة، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه الصادر بغلق قاعة إقامة الحفلات وغيرها من مناسبات وأفراح يكون متفقًا وصحيح أحكام القانون.
هذا ويذكر أن ذات المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة قد أصدرت حكمًا تاريخيًا آخر في نهاية مارس هذا العام بحظر هدم الكنائس وقررت قبول تدخل البابا تواضروس الثانى بطريرك الكرازة المرقسية لوقف العدوان على كنيسة باعها الاروام الأرثوذكس لأحد المواطنين وأكدت فيه على أن الكنيسة مثل المسجد ليست محلا للبيع أو الشراء وتدخل في ملكية الله سبحانه وتعالى بمجرد إقامة الصلاة فيها وهو ما لقي ترحيبًا كبيرًا من الكنيسة المصرية واعتبرته الجهات الدينية على اختلافها انتصارًا لحرية العقيدة في مصر وهو الأول من نوعه في المنطقة العربية والأجنبية بحظر بيع كنيسة، وقد أضيف إليه هذا الحكم ليؤكد القضاء المصرى الشامخ على حماية الكنائس بحظر إقامة أماكن اللهو بالقرب من الكنائس ايا كانت وسيلتها ملاهى ليلية أو قاعات احتفالات أو أفراح، حرصًا على قدسية ممارسة الشعائر الدينية بها.