رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المستخبيَّة تكسر المحرات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ريف بلدنا، أيام ما كان ريف، كان فيه نورج، وكان فيه ساقية وكان محرات الخشب، والأخير لمن لا يعرفه ولمن لا يذكره، كان يتم تجهيزه من ساق خشبية طويلة متعامدة مع ساق أخرى يتم ربط نهايتها بعنق بقرتين شديدتين، وأسفله قطعة خشبية مشبوكة بسن حديدى يقوم بمهمة «فج الأرض الناشفة» وتجهيزها للزراعة.
ربما فى بعض الأفلام القديمة التى يتم إعادة إذاعتها على «روتانا كلاسيك» أو القنوات المشابهة قد تجدون نموذجا لهذا المحرات.
ما يجعلنى أبحث عن هذا المحرات الخشبى الآن ليس حالة نوستالجيا تداهمنى قطعا منذ فترة، وتشدنى شدا لأعود إلى قريتى فى الصعيد رغم علمى ويقينى أن الريف الذى عشته صغيرا لم يعد موجودا الآن، هو ليس الحنين قطعا، لكنها الحكمة الشعبية التى تحاصرنى كلما ضاقت بى مدن التخبط والعشوائية، وكلما اقتربت خطوات مدينتى من حافة الخطر.
هذه الحكمة الشعبية تقول «المستخبية.. تكسر المحرات»، والمعنى الظاهر للمثل أن الطوبة أو «الزلطة» غير المكشوفة أو المدفونة فى باطن الأرض قد تؤدى إلى كسر ذلك المحرات الخشبى، وتهدد وجوده من الأساس، أما المعنى الأكبر فهو أن المجهول هو العدو الحقيقى الذى قد يكسر أى وطن ويقضى عليه.
المجهول يا سادة، أصبح الكلمة السحرية لتفسير ما يجرى فى بلادى الآن، بدءا من الخليج وليس نهاية بالمحيط، بالبلدى ماحدش فاهم حاجة، وهذا هو الخطر بعينه، نعرف أن بلادنا مستهدفة، لكن من يستهدفها تحديدا نحن لا نعرف، ولأننا لا نعرف نجتهد، ولأننا نجتهد نخطئ فى غالب الأحيان، وخد عندك، إذا كانت إسرائيل -الصهاينة- يعنى هم أعداؤنا حتى يوم الدين، فمن المنطقى أن تخمن أنهم الذين يستهدفوننا، وأنهم أول ناس يسعون لخراب بلادنا، ومن خلفهم الأمريكان ومؤسساتهم وفى مقدمتها البنك الدولى، ويستغرب المواطن البسيط حتما أن كل ما يتاح له من معلومات يؤدى إلى حيرته، فالأعداء الطبيعيون وفق الدبلوماسية المصرية ليسوا كذلك فمن يستهدفنا إذن؟!
والسلفيون بكل مسميات أجنحتهم، قوى الظلام بكل تجلياتها، دعاة التشدد بكل بجاحتهم، هؤلاء أعداء لأى تقدم ومدنية نسعى إليها، فكيف نطبق أفكارهم بقوانين وإجراءات تؤدى إلى «سكتهم فقط»، إذن هم ليسوا أعداء!!
الرئيس والحكومة والبرلمان، وكل مؤسساتنا تحارب الأسعار، فمن يشعلها؟ الأزهر والكنيسة يحاربان الفتنة، فمن يشعلها؟ الدولة مع الغلبان الفقير معدوم الدخل فمن ذلك الذى يهدده فى ليله وصباحه ويحاصر أفواه أطفالهم بجوع مقيم وأمراض شتى، نسعى لتعليم جديد ومناهج متطورة، وبنطلع عين المدرسين والمدارس والتلامذة، وبنبعد كل صاحب فكر حقيقى للتطوير، فى الموضوع ده بالذات وجع بطنى ما قاله د.هشام الشريف بأن هناك خططا حقيقية لتطوير المناهج والتعليم برمته وترجمة لمناهج الدول الأهم فى العالم موجودة فى الأدراج، ولديه نسخة منها منذ ٥ سنوات، وهو نفسه من قال إن هناك مشروعا لتشغيل ٢٥٠ شابا فى كل قرية فورا، وكان هناك تمويل موجود للمشروع، لكن التمويل ثم تحويله إلى موضوع آخر، طب مين اللى عايز كده، مين اللى بيعمل كده مين المجهول اللى «مستخبى» وعايز يكسرنا؟!
لا أحد أجاب، ولا أحد يجيب، ولا أحد يستجيب، الطناش سيد الموقف، ويبدو الأمر غريبا جدا، ففى الوقت الذى ينص فيه قانون الإعلام الجديد على ضرورة إتاحة المعلومات للإعلام، لا يوجد نص واحد يعاقب من يمتنع عن هذه الإتاحة!! رئيس الجمهورية يشدد فى آخر خطاباته على ضرورة الحرص على تدفق المعلومات للناس والمحافظات، وآخر محافظ المنيا يصر على إخفاء المعلومات حتى تحدث الكارثة فيضطر إلى المناورة بمعلومات خاطئة فتحدث الكارثة.. يا سادة لن نذهب للجحيم بأقدامنا إلا بسبب عدم الشفافية والطناش والتعامل مع المواطن باعتباره مش مهم ولا موجود ومش شغلانته إنه يعرف!! يا جماعة اسمعوا جدى وجدكم اللى قال، المستخبية تكسر المحرات، قبل ما يجى يوم مانعرفش نسمع من أساسه! ويكون المحرات واللى سايقه اتكسروا وانتهينا.