الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيد قطب بعيني باحث فرنسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للإسلاميين مآخذ وانتقادات على كتب وتحليلات «سيد قطب» لا تقل أحيانا عن ملاحظات واعتراضات العلمانيين والليبراليين، وإن كانت بالطبع من منطلقات أخرى، وهذا ما نراه بخاصة فيما يتعلق بتفسير الداعية قطب الواسع التداول «في ظلال القرآن»، الذي تقع طبعته الجديدة عام ٢٠٠٧ في نحو أربعة آلاف صفحة موزعة على ثلاثين جزءا في ستة مجلدات من منشورات دار الشروق، بالقاهرة.
كتاب الظلال لا يقلّ خطورة على عقول الشباب خاصة، من كتاب سيد قطب الأشهر «معالم في الطريق»، إذ يقدم لهم منهجا حزبيا تعبويا في فهم القرآن الكريم، وكلا الكتابين مهّدا الأرضية في الواقع لنمو التشدد وتنامى التطرف والتكفير، ولظهور أجيال جديدة من المؤلفين الجهاديين والكتب التكفيرية والوثائق البالغة الخطورة.
وربما كان السبب الأساسى في توجيه الانتقادات لـ«تفسير الظلال» في اعتقادى، أن سيد قطب لم يكن باحثا علميا محايدا، ولا مفسرا موضوعيا، بل جرفه غالبا، حماسه الدينى والعقائدى ورؤيته الأيديولوجية وانتماؤه الحزبى للإخوان المسلمين والتيار الدينى، فقدّم في الكثير من أعماله ومؤلفاته رؤية تطهرية مثالية أحادية التوجه، مبالغا في الاستفادة من الأدلة والتصورات المساندة لوجهة نظره ولتفسيره، ومهملا في الوقت نفسه النظر في أي نصّ أو دليل يناقض ما يرى.
فخرج بتفسير حماسى أدبى سلس اللغة مشوق العبارة مشيع لمشاعر التفوق والاستعلاء لدى الكثير من العرب وعامة المسلمين، وبعيد عن المشاكل والتفاصيل المعروفة في كتب التفاسير الأخرى، ولا عجب، لهذا، أن توالت طبعاته العربية حتى بلغت ٣٦ طبعة عام ٢٠٠٧، ولا تزال الطبعات العربية والمترجمة إلى لغات كثيرة في ازدياد. 
أثار «في ظلال القرآن» اهتمام الكثير من الباحثين في العالمين العربى والإسلامى ودول الغرب، ومن هؤلاء مثلا الباحث الفلسطينى الأردنى د. صلاح عبدالفتاح الخالدى، والفرنسى «أوليفييه كاريه» الذي يرى، كما جاء في مقدمة كتابه، أن من أهم أسباب نجاح وانتشار كتاب «في ظلال القرآن»، وازدياد الإقبال الشعبى على اقتنائه خارج الوطن العربى، هو أن قطب قد استند إلى فكر اثنين من المفكرين الإسلاميين من القارة الهندية- وقد نال الكتاب رضاهما- «أبو الأعلى المودودى وأبو الحسن الندوى»، ويضيف «أن كتاب «الظلال» لا يعتبر كتاب تفسير وفق القواعد المعمول بها، وسيكون من الظلم أن نتصفحه أو ندرسه ككتاب تفسير «تقليدى» أو أن نقارن بينه وبين الكتب الأخرى التي ظهرت سابقا في مجال التفسير.
«إنه كتاب عقيدة cate chisme.. لإقامة دولة إسلامية أو للقيام بثورة إسلامية، يمكن مقارنته بكتاب الخمينى «الدولة الإسلامية»، في مقاصده وأهدافه والظروف التي صاحبت نشره، ولكننا نرى أن كتابه الظلال- وكتابات قطب السياسية الأخرى- هي نوعية من التفكير ومن الممارسة الدينية والروحية رفيعة المستوى».
والآن ما ملاحظات الباحث الفرنسى على تفسير الظلال؟
يقول «كاريه»: «لقد مال قطب، بصورة دائمة، إلى حذف العديد من الفقرات التي تثير الجدل اللغوى والتاريخى حول بعض الآيات، حيث أعلن أن في ذلك مضيعة للوقت».
و«الأكثر دهشة أيضا، أن قطب قد ركز بالتفصيل على بعض السور، بينما كان حذرا ومختصرا في تناوله لسور أخرى، فخلافا للعادة، وعلى عكس ما فعله محمد عبده ورشيد رضا، فقد توسع قطب إلى حد ما في تفسير سورة الفاتحة، وحقيقة فإن قطب قد قدم تفسيرا طويلا نسبيا للجزء الأكبر من السور الصغير الأخيرة».
ما الجوانب التي ركز عليها سيد قطب في تفسيره؟
يقول كاريه: «ركز قطب أساسا على فكرة الوحدانية المطلقة «سورة الإخلاص»، خلق الله للكون وأفعال الإنسان الشريرة «سورة الفلق»، الانتصار الكبير والأكيد لأمة المسلمين «سورة النصر»، حماية الله للأماكن المقدسة «سورة الفيل»، صفات المؤمنين الصابرين «سورة العصر»، مواجهة العدو الشخصى للإنسان «سورتا الكوثر والمسد»، القاعدة الصلبة للدين المتميز عن كل الأديان «سورة الكافرون».
كما اهتمّ قطب أيضا، بسور أخرى من الجزء الأخير في القرآن «جزء عمّ»: تذكر ونسيان القرآن «سورة الأعلى»، العدالة الاجتماعية «سورة الماعون»، انفطار الكون وانشقاقه في يوم القيامة «سورتا التكوير والانفطار»، التناسق والتكامل بين رسالة الإسلام وخلق الكون «سورة العلق»، وقد اهتم قطب كثيرا جدا بهذه الفكرة، إضافة إلى أنه قد قدم في تفسيره لهذه السور بعض الفقرات التي تعبر أفضل تعبير عن الدعوة التي حملها قطب.
ويقول: «نضيف إلى ذلك اهتمام قطب ببعض سمات المجتمع الإسلامى الذي حاول أن يستكشفه من خلال النصوص القرآنية «المقدمة العامة للظلال- ص١٦»، وذلك للمساهمة في إقامة المجتمع المعاصر الذي يعيش «في ظلال القرآن»، وذلك مع تركيزه على قضايا الزواج والطلاق «سورة التحريم»، والمساواة بين البشر «سورة عبس».
من جهة أخرى يلاحظ كاريه «أن هناك سورًا أخرى اهتم قطب بتفسيرها، وهى السور التي وردت في الثلاثة عشر جزءا الأوائل حتى «سورة إبراهيم»، هذه السور تتناول أساسا الموضوعات التالية: القتال والعدالة الاجتماعية «سورة الأنفال»، صلابة وصمود الدعوة في مواجهة كفار قريش قبل تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة «سورة الأنعام»، المواقف التي اتخذها المسلمون في «المجتمع الإسلامى الأول» في المدينة «سورة النساء»، مع بحث القضايا التي رأى فيها أساس المجتمع الجديد «اليهود- الأعراب- المنافقون- المسلمون الأوائل- المسلمون اللاحقون»، وكذلك بحث تنظيم الجهاد «سورة التوبة»، ومن القضايا التي ثار حولها النقاش كثيرا في سورة الحجرات، تلك التي تتعلق بالنظام الاجتماعى للمجتمع الإسلامى الجديد، وما ورد في سورة الأحزاب حول تلك الجماعة المسلمة القليلة، وأيضا ما ورد في سورة الفتح التي تناولت الانتصار النهائى للمسلمين. (في ظلال القرآن، أوليفييه كاريه، ترجمة محمد رضا عجاج، القاهرة، ١٩٩٣، ص٢٩-٤٤).
نقلًا عن الجريدة الكويتية