الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

مفر.. مزيكا من وجع قلب فلسطين

"ماتفكر إنه فضاك بيحده غيوم"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"بسأل حالي شو اللي بخليني متنكد، مليان من جوة شكوك، وبنفس الوقت متأكد"، ربما ستبدي استغرابك بادئ ذي بدء عن فحوى هذه الكلمات، ولكن سرعان ما يتبدد ذلك التعبير المندهش على وجهك عندما تركز في معانيها، ولربما ستجد فيها ما يعبر عنك ومكنوناتك الداخلية، وحالة التوهان التي تعيشها من وقت لآخر، في البحث عن ذاتك، وعن هدفك في الحياة، خاصة عند استكمالك لبقيتها "من الأول ضايعين بنص هاد الكوكب، وطول العمر ماشيين، بنفس هادي الموكب"، لتدخل فورًا في وصلة من السرحان على وقعها، وتتحول ولو لبضع ثواني إلى فيلسوف في تفكيرك، وتبحث عن إجابات لأسئلة ليس لها وجود أو إجابة بالأساس، ماذا تفعل؟ ماذا تريد؟ أكون أو لا أكون؟ وجو من "الأفورة" إلى حد ما يأخذك إليه ذهنك في حالة من "الفراغ" و"البؤس" الذي تتعرض له مثلًا يوميًا بعد منتصف الليل عندما يغفو عنك النعاس وتجد بالك انشغل بملايين الأفكار في وقت واحد.

"نسينا العنوان، وتهنا بالأسطر".. هكذا اختار باند مفر من التعابير أن يجسد رؤيته الموسيقية في ساحة المزيكا المستقلة، كلمات تغلب عليها معاني "التوهان" والبحث عن وطن إن جاز التعبير، ليس بلدًا بالمعنى الدارج وإنما "غاية" أو "شخص" أو حتى "حلم" يشعرنا ولو لمرة واحدة في الحياة بالاستقرار والراحة بعيدًا عن انشغالنا الدائم بالترحال وراء أحلام أشبه بالسراب، ومشاغل حياتية تشغلنا بالأساس عن الشعور الحقيقي بالحياة والرغبة في استكمالها، دون حياد رغباتنا إلى ما قد يشبه "الانتحار" ولو مجازيًا، والعيشة كمن يحياها "زومبي" بلا روح أو دقات قلب اهترأ من كثرة ما خاض من تجارب.

مفر، باند فلسطيني الأصل سداسي التكوين، مختلف في تركيبته الموسيقية رغم تشابهها أحيانًا ببضع التجارب الغنائية في الوسط المزدحم بالباندات العربية، انطلق من قلب الأرض المحتلة من شوارع بيت لحم، ليعبر بموسيقاه عن "صرخة" دفينة تتخطى بعلوها حدود الاحتلال والأسوار والبلدان لتصل إلى أقاصي الوطن العربي تدريجيًا، يضم ست عازفين، مروان محمد، وجريس بعبيش، فيليب جراد وأمير حنضل وطارق حسنات وراجي غريب، عمره الافتراضي لم يتخط سنتين منذ نشأته ووضع فكرته المتحولة بشكل تدريجي من مجرد "قعدة مزيكا" و"تنفيس بالغناء" إلى مشروع باند وفرقة موسيقية فلسطينية، تغني للواقع وتتغنى ببديهيات التفكير عن مغزى الحياة، بعيدًا عن المعتاد بالقضايا السياسية أو الاجتماعية، "فكرية" هي موضوعاته أكثر منها "مباشرة أو اعتيادية"، ربما يبدو من اسمه "مفر" ما قد يغني عن الإطالة في شرح رؤيته الخاصة في اختيار الكلمات، المعبرة بشكل ما عن "التوهة" و"البحث" و"الرغبة في الهروب"، مثلما قال جريس بعبيش، فوكال الباند "كلمة مفر لوحدها تصف الحالة اللي بنريد نوصلها للناس، أي أن اختيارنا للاسم لم يكن محض صدفة، وإنما نتيجة ما نراه مستقبلًا".

رغم حداثة تكوينه النسبي في الوسط الفني، إلا أن مفر يسعى لوضع بصمته الموسيقية الخاصة في الساحة المتراكم فيها العديد من التجارب، التي لا يريد الباند أن يتم مقارنته ولو عن بعد بأي منها يقول "كل الأغاني البديلة شبيهة بالهدف المسويقي، ولكن كل واحد بيقدم رؤيته من تجارب خاصة ليظهرها للعالم بطريقته وبتوزيعه وألحانه، كل فرقة مميزة بشكل منفرد واحنا بندعم وعم بنشجع كل الفرق اللي بتقدم هاد النوع من الفن المستقل"، فهو بدأ رحلته مثلما يمكن القول "متحمسًا" حيث ينتهي في الوقت الحالي من وضع لمساته الأخيرة على ألبومه الموسيقي الأول، الذي يجسد فيه "زحام" أفكاره، لا يبغى أن يحمله بعنوان أو اسم معين، ولكنه اكتفى بان يشير إليه باسم الباند "مفر"، ليعبر عن الفكرة دون الدخول في تفاصيل.

9 تراكات مختلفة، هي حصيلة المشروع الرسمي للباند ملخصًا رحلة أكثر من 24 شهرًا من البروفات وبعض الحفلات الجماهيرية في الداخل الفلسطيني، بداية من الأغنية الرئيسية التي أطلقها مؤخرًا بشكل فيديو كليب "نسينا العنوان"، مرورًا بأغنية "اسمع وشوف"، التي تلخص إرادة الشخص في عمل شئ عظيم في عالمه الخاص والسعي وراء حلمه دون كلل أو الشعور بالإحباط، الذي ربما يصبح وليده كلام الناس الملئ بالطاقة السلبية ولا بد من تجنبه وهو ما يتجسد في أغنية "من النار خايفين"، وطالما لك حلم وغاية في حياتك فسرعان ما سيصنفك من حولك بالغريب والمختلف عنهم لأانك تسعى وراء طمواحتك التي تتخطى سقف روتينية أهدافهم في الحياة، وهذا بالظبط ما يصفه الباند في أغنية "فتح عينيه"، وصولًا إلى أغنيات "صدى"، و"الليل بها العيون"، و"أنا مليت"، أغاني مختلفة ربما لكنها بشكل أو بآخر مترابطة حول فكرة واحدة، وعند سماع الألبوم ستجد في ذهنك خيوط الحكاية اكتملت، تعطي إلى حد ما جرعات من الأمل في النظر للحياة بنظرة أكثر تفاؤلية وسط ظلام "الإحباط" و"النيجاتيف انيرجي" المترامية حولنا.

"ألبوم بيحكي عن الناس عن الكوكب عن كل واحد فينا، عن كل قصة بنواجهها بالبلد وبرا البلد، لما يحكو الناس ولما ايملي اللي هالعيون، لما نشوف إنه من داخلنا واحد بيقدر يحقق حلمه، يلاقي وسط الملل والصدى وحنين البحر العنوان، اللي كل واحد فينا ضيعه ولسه بيدور عليه"، جملة لخص فيها أعضاء الباند الستة رؤيتهم المتجسدة في المشروع، ألبوم غنائي ستجد فيه ما قد يعبر عنك وعن تساؤلاتك الوجدانية، إن كنت دائم البحث عن هدف وعن عنوانك في الدنيا، وسط متاهاتها ومساراتها "المتلخبطة"، مفر باند فلسطيني مازال يعتبر "جنين" موسيقي يفتح عينيه في الساحة، ولكن يبدو من بشائر أغانيه وموسيقاه سعيه لإحداث تغيير ووضع لمسته الخاصة به بمثابة الإبرة وسط كومة قش كبيرة، يطل بألبومه الأول خلال موسم الصيف من هذا العام، ويعقبه بجولة حفلات متتالية يتخطى خلالها حدود فلسطين إلى عدد من البلدان العربية وربما يكون من بينها مصر، اتخذ من كلمات "ماتفكر إنه فضاك بيحده غيوم" ما يعتبره شعارًا أو "كوبليه" يعبر أكثر عن شخصيته، ليؤكد لم يجرب أن يسمعه أن الأحلام ليس لها سقف، والطموح يتخطى حدود الغيوم ليصل لفضاء التحقيق".