السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسرائيل والسلام (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استطاع ما يسمى بالربيع العربى أن ينسينا القضية الفلسطينية خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تراجعت إلى ذيل اهتمامات السياسة الخارجية لجميع الدول العربية، فقد انشغل الجميع بقضاياه الداخلية وبالصراعات والأحداث المتلاحقة التى شهدتها المنطقة، بما فى ذلك مصر التى حملت على عاتقها أعباء هذه القضية منذ منتصف القرن الماضى، وخاضت الحروب وبذلت الدماء والأرواح وكل ثمين وغال من أجل الشعب الفلسطينى الشقيق، ولكنها كسائر الدول التى طالتها رياح التغيير منذ ٢٠١١ أصبحت أسيرة لمشكلاتها الداخلية، وظل الأمر هكذا حتى أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن مبادرته لإحياء عملية السلام مرة أخرى، وذلك خلال افتتاحه بعض المشروعات التنموية فى محافظة أسيوط بصعيد مصر، مخاطبا للمرة الأولى الشعب الإسرائيلى وداعيا الفصائل الفلسطينية المتصارعة إلى حوار وطنى جديد تستضيفه القاهرة من أجل وحدة الصف قبل فتح صفحة جديدة للسلام، وواقع الأمر أن الحديث عن السلام كان وما زال نغمة يترنم بها الجميع بين الحين والآخر دون نية حقيقية لإيجاد تسوية عادلة ونهائية وشاملة، ذلك أن بعض أصحاب المصالح لا يريدون ذلك، لأنهم سيفقدون قيمتهم السياسية ومواردهم المالية، ورغم إقرار العرب واعترافهم بدولة إسرائيل منذ قبولهم قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ الذى صدر عقب هزيمة يونيو ٦٧، وبغض النظر عن البند الأول من القرار الذى اختلفت حوله الآراء، وهو الخاص بانسحاب إسرائيل عن أراضٍ احتلتها أو الأراضى التى احتلتها فى ٦٧، فإن البند الثانى يؤكد اعتراف العرب بدولة إسرائيل وإنهاء حالة الحرب معها، والتأكيد على حقها فى العيش بسلام وضمان حرية الملاحة البحرية، وقد وافقت كل الأطراف آنذاك على القرار لكن الاختلاف كما ذكرنا جاء حول تفسير البند الأول، وتأسيسا على هذا القرار وافق عبدالناصر على مبادرة روجرز فى أغسطس ٧٠ وكان على استعداد للدخول فى مفاوضات ترعاها الولايات المتحدة، وهذا ما أقره هيكل فى كتابه «أكتوبر السلاح والسياسة»، ولكن القدر لم يمهل عبد الناصر لتنفيذ هذه الخطوة، ولما جاء خليفته أعلن عن مبادرته الأولى للسلام فى فبراير ٧١، ولكنها لم تلق الصدى الدولى المطلوب لعدم ثقة أمريكا وإسرائيل فى قدرة السادات على تحقيق ما يدعو له، بيد أن هذه الصورة قد تغيرت تماما عقب أكتوبر ٧٣، وتحول السادات إلى لاعب أساسى يتم الإنصات إلى كل كلمة يقولها، ولذا فقد لاقت مبادرته فى ٧٧ اهتماما عالميا، فكانت زيارته للقدس، تلك الزيارة التى غيرت معالم التاريخ والجغرافيا فى المنطقة، وسيظل خطابه أمام الكنيست فى ٢١ نوفمبر ١٩٧٧ علامة فارقة فى تاريخ علاقات الدول، وما زال رنين صوته يتهادى إلى أذنى وهو يدوى بكلمات قوية حاسمة ويقول: «السلام لنا جميعا، على الأرض العربية وفى إسرائيل، وفى كل مكان من أرض العالم الكبير المعقد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادة والمهدد بين الحين والآخر بالحروب المدمرة، تلك التى يصنعها الإنسان ليقضى بها على أخيه الإنسان»، وقوله: «قد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين لكى نبنى حياة جديدة، لكى نقيم السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا مسلمين ومسيحيين ويهوداً نعبد الله ولا نشرك به أحدا، وتعاليم الله ووصاياه هى حب وصدق وطهارة وسلام»، وكان السادات واضحا حين قال: «إننى لم أجئ إليكم لكى أعقد اتفاقا منفردا بين مصر وإسرائيل، ليس هذا واردا فى سياسة مصر، فليست المشكلة هى مصر وإسرائيل، وأى سلام منفرد بين مصر وإسرائيل أو بين دولة من دول المواجهة وإسرائيل فإنه لن يقيم السلام الدائم العادل فى المنطقة كلها بل أكثر من ذلك، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية فإن ذلك لن يحقق أبدا السلام الدائم العادل»، وكان السادات يراهن على قبول العرب مبادرته، ومن أجل ذلك فقد دعاهم لحضور مؤتمر بفندق مينا هاوس، وذلك لإيجاد الحل النهائى والعادل لجميع الأطراف، ولكن العرب أضاعوا الفرصة من أيديهم وبقيت مقاعدهم شاغرة، فى حين دخلت مصر مفاوضات مباشرة مع إسرائيل فعادت لها سيناء فى ٨٢، وبعدما اتهموا السادات بالخيانة والضعف والكفر بالقضية عادوا يجرون أذيال الندم وهم يقبلون التفاوض فى مدريد ٩٠ على نصف ما كانوا سيتفاوضون عليه فى ٧٧.. وللحديث بقية.