الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"البوابة" تكشف الصراع داخل الإخوان حول الاستراتيجيات مع النظام

 الإخوان فى مصر
الإخوان فى مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ سياسة التجميع أعطت الجماعة القدرة على إعادة التموضع والتشكل
■ فشل الإسلام السياسى الثورى جعل الجماعة تتجه إلى الإسلام المشارك
■ التنظيم الدولى يبدأ إعادة البناء
الإخوان فى مصر حالة خاصة ومتفردة، نظرًا لأن الحاكم الفعلى للتنظيم، هو جيل تاريخى من القطبيين والسلفيين، الذين انتشروا فى أروقة الجماعة بدءًا من السبعينيات وحتى اليوم، فيما يطلق عليه تسلف الإخوان، ما أدى إلى صراع خطير داخل الجماعة حول الاستراتيجيات مع النظام، ومن الأحق بالقيادة.
فى البداية لا بد وأن نعرف أن جماعة الإخوان هى تنظيم قادر على التشكل وعلى التلون فى كل مرة بشكل جديد، نظرًا لأنها تملك ما يعرف باسم (سياسة التجميع) وهى أنها تحوى بداخلها كل الأطياف، وكل الأفكار فى بوتقة واحدة، وفق قاعدة أطلق عليها القاعدة الذهبية، وهى (يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، ونجتمع فيما اتفقنا عليه)، لذلك ستجد بها السلفيين والصوفيين ومن يكفرون الحكام ومن يؤسلمونهم ومن ينادون بالجهاد ومن يتحدثون عن السلمية والدعوة.
أسباب قدرة الجماعة على التشكل
أعطت «سياسة التجميع» الجماعة القدرة على إعادة التموضع والتشكل فى كل مرة تمر فيها بمحنة، كما أعطتها القدرة على المناورة، والتحرك بين الدفتين السلفية الجهادية، والصوفية الموعظية، وجعلتها فى كل مرة قادرة على طرح تحولات جديدة.
الأمر الثانى الذى جعل الجماعة قادرة على التحرك بمرونة دون قدرة أتباعها على الأقل من محاسبتها، هو عدم كتابة تاريخها حتى الآن، فكل ما صدر عن التنظيم حتى اللحظة هو محاولات فردية للكتابة التاريخية، التى حمل بعضها تضخيمًا وتهويلًا، وحمل الآخر تهوينًا، مثل حوادث الاغتيال والتصفية بين قادة التنظيم، عبدالرحمن السندى والسيد فايز وغيرهما، بل وكان فى بعضها الآخر قد حمل كذبًا واختلاقًا لوقائع متنوعة، خاصة التى حدثت فى عهد فاروق ثم عبدالناصر.
كما طرح ما أطلقوا عليه (مصلحة الدعوة) نافذة لكل من صنعوا تاريخ الجماعة أن يتحركوا ويأخذوا القرارات المصيرية التى كانت تتعلق ليس بالتنظيم فقط، بل الدولة، دون أن يستطيع أحد محاسبتهم، بحجة أن ذلك من أجل مصلحة الدعوة، وهى التى كانت تعنى بالأساس مصلحة القيادة، التى كان يمكن أن تتحاور مع الأجهزة الأمنية سرًا، أو تتحالف مع الأحزاب التى تخالفها الأيديولوجية، دون أن يستطيع أحد وضعها تحت مقصلة الحساب، ما أدى إلى فساد مالى وإدارى كبير جدًا، حتى أن اللائحة لم تكن لها أية فائدة، ولا حتى المجالس التنظيمية، كمجلس شورى التنظيم، لها قدرة على حل تلك المعضلات.
مرحلة الإسلام الثورى
وضع الإخوان بذرة ما يعرف بالإسلام الثورى، ورفعوا صورة شعارهم (سيفين ومصحف)، وتحدثوا وكتبوا عن الإعداد للجهاد، وعملوا الجناح الخاص، كأن كل سنوات تاريخهم عبارة عن كر وفر، وضحايا، وسجون، حتى وصلوا للسلطة.
امتلأت كتب الإخوان بالحديث عن الجهاد والإعداد له، والحكومة الإسلامية، المشروع الإسلامى الذى كانوا أول من تحدثوا عنه، ووضعوه فى قوالب جاهزة، دون تصور واضح لما بعد هذا المشروع.
بناء على ما سبق، رأينا كيف أن الإخوان كانوا يعملون من خلال المشروعية التى منحتها لهم دولة الملك فاروق، ثم كيف رفضوا شرعية عبدالناصر، وبعدها عادوا للعمل من خلال نفس المشروعية مع السادات ومبارك، ثم تحولوا إلى حيث بدأوا، كجماعة خارج إطار الدستور والقانون، بل والدولة نفسها.
التقط «المودودى» تلك الكتابات فكتب عن الحكومة الإسلامية، ودرس الخومينى كل كتابات سيد قطب، ونجح فعلًا فى تطبيق الأمثلة الإخوانية، وهى الدوائر الثلاث، الحكومة والشعب والحركة، وتحدث عن وحدة الحركة الفكرية، واعترف بأنه أخذ ذلك من الإخوان.
نجح الإسلام الثورى الشيعى فى إيران، بعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، وعاد رجل الدين من منفاه الفرنسى، ليمثل نجاحه مثلًا لجماعات أخرى سنية كانت تتحدث فقط، فبدأ الجهاد الأفغانى المسلح، وخطط الجهاديون المصريون لاغتيال السادات وقلب نظام الحكم، كما قام الإخوان فى سوريا بالثورة الشعبية المسلحة عام ٨٢، فوقعت أحداث حماة الدموية، التى قتل فيها الأسد حوالى ٣٠ ألفًا، وفى كل مرة تفشل جماعات الإسلام الثورى يقفز الإخوان من السفينة، ويتحدثون عن الدعوة، ومصلحتها، والعودة لإسلام المساجد، والنقابات، والبرلمانات.
فشل الإسلام السياسى الثورى فى تحقيق مراده، إلا أنه لم ييأس، وفى كل مرة كان يرجع الخطأ عند الجماعة الأم، الإخوان، إما شرعيًا، أو استراتيجيًا، لاحظوا كيف كتب الظواهرى عن الإخوان كتاب (الحصاد المر)، وكيف عاد فيما بعد وأيدها فى مصر.
تصورت جماعات الإسلام الثورى، أن هناك ٣ حالات لا بد من العمل من خلالها، وهى: الثورة الشعبية المسلحة، أو الانقلاب العسكرى، أو حرب العصابات، وهذا كله لن يتأتى إلا بالعمل السرى العنقودى.
حاول الإسلام السياسى فى نسخته السنية إنجاح المشروع الذى وضع بذوره حسن البنا، إلا أنه فشل فشلًا ذريعًا، بسبب التهميش، أو الإقصاء والتكفير الذى كان يواجه به أعداءه، كما كان هو يواجه به.
من إسلام المواجهة إلى المشاركة
يطرح الإخوان دائمًا فى كل مرة تجربة الإسلام المشارك، الذى يتشارك مع الآخرين، لكن ذلك من الناحية النظرية فقط، إلا أنه فى الآونة الأخيرة وعقب فشلهم فى مشاريع السلطة بتونس ومصر، بدأ يتشكل الاتجاه الجديد، وبدأت الجماعة تتموضع حول نوع جديد من الاستراتيجيات وهو «نحن وأنتم»، وليس (نحن أو أنتم)، التى كانت واضحة بمصر تمامًا، بعد سنوات وعقود من الفوضى والصراعات وراء نموذج «الإسلام المواجه»، «الإسلام المسلح» الذى يطرح نفسه بديلًا كاملًا عما هو قائم.
بدأ الحديث عن الإسلام المشارك، هناك فى ماليزيا، ثم فى أقصى الغرب بالمغرب، الذى تحدث فيه أفراد الجماعة عن مشروعين منفصلين، هما مشروع الهوية (الخلافة والشريعة)، ومشروع (رعاية شئون الرعية)، واستطاعوا الفصل بين المشروعين معًا، ونشأ حزب العدالة والتنمية المغربى الحاكم الآن، والتقط أردوغان التجربة، ليقوم بإطلاق نفس الحزب بإسطنبول، حتى وصل للسلطة أيضًا، وكان فى هذا الوقت يتشكل وعى الغنوشى، وجاء وصولهم للسلطة، والضغوطات التى تعرضوا لها فى الإيمان بالمشروع بالكلية.
أكد مفكر الحركة عبدالفتاح مورو أن «الحركة الإسلامية فى تونس اتجهت إلى الدسترة، أى عبر الاندراج ضمن الثقافة السياسية فى البلاد، والتخلى عن حلم إقامة الدولة الإسلامية، لصالح العمل ضمن إطار الثقافة السياسية الحالية، أى الخاضعة لضوابط القانون».
وأضاف فى حديثه المطول الذى نشرته النهضة فى صفحتها: «إن الإسلاميين كانوا يتبنون خطابًا دعويًا واجتماعيًا، لكن هذه مراحل لم تلغ هدفهم وهو السلطة، وقد يتوقفون عند مرحلة ما لأن ظروفهم لا تسمح لهم بالتقدم، لكن كان الهدف النهائى ضامرًا فى أنفسهم، ومن دون عنوان، وهو الوصول إلى تحكيم الشرع». مضيفًا «الذى لم تدركه هذه الحركات أن المطلوب حاليًا هو نظرة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الراهن، وهو معنى لم يتسرب إلى أذهان الدعاة والحركات الإسلامية التى بقيت لديها صورة واحدة عن الإسلام وهى الصورة التاريخية. وهذا يفسر لماذا لا يوجد فى أدبياتنا كحركة إسلامية مبحث خاص بالحكم فى العصر الحديث من منظور إسلامى، أى عندما سنصل إلى الحكم ما الذى علينا أن نفعله. ويعود ذلك إلى أن المثال قائم فى الأذهان وسنستمده من التاريخ عبر النقل الحرفى إلى الواقع إذا توفرت الظروف، وتعتبر هذه من كبرى النقائص التى جعلت الإسلاميين يتعثرون عثرات مسقطة، ولا سيما بعد قيام الثورة.
إن الإسلاميين ليس لديهم مشروع للحكم، وكل ما فعلوه أنهم نقلوا المثال الغربى ليس إلا، والذى كانوا ينتقدونه ولا يرون فيه صفة الإسلامية. واتجهوا من دون أن يتساءلوا نحو البرلمان وقانون الأحزاب ورئاسة الجمهورية، وكل ذلك لأن الإسلام تجنب أن يعطى صورة محددة للحاكم وصلاحياته، وإنما اكتفى بالعموميات، فالرسول لم يصرح بكيفية السلطة ولا بصلاحيات الحاكم وصورته، وكل ما نص عليه الدين هو أن يوفر الحكم الحريات وكرامة الإنسان والعدالة، وأن يكون الحاكم أمينًا على الأمة، وأن يستمع إلى الناس ويشاورهم.
إن النقد الذاتى شرط فى عالم الحداثة، وكما كرسنا هذا فى تاريخنا سنرسخه فى مؤتمرنا العاشر الذى ينتظر منه التونسيون الكثير، مضيفا أن حل أزمات الشرق الأوسط يتطلب المصالحات بين الفقراء والأغنياء، بين الشمال والجنوب، بين الثقافات والحضارات والأديان، ومن لا يتعامل مع حركة النهضة، يقصى نفسه».
إلى هنا انتهى حديثه، لكن المصريين الإخوان قالوا إنه لا يوجد فصل حقيقى بين الدينى والسياسى، لأن هذا الفصل، هو طريقة توظيفية إجرائية للعمل.
ولا يزال الإخوان يتحدثون عن حكم الديمقراطية، وقضية الهوية، ومسكونين بقصة الحكام وتكفيرهم، والشريعة الإسلامية، وأمامهم سنوات طوال حتى يتحولوا اجتماعيًا وثقافيًا، إلى مقاصد الشريعة العامة، والبحث فى حلول لمشاكل المجتمع، والعمل داخل مشروع لخدمة شئون المواطنين، لا مشروع الهوية، وخطاب الخلافة، أو ما يطلق عليه الانتقال من الطور الاحتجاجى، إلى طور البناء والمشاركة السياسية.
التوظيف الجديد للجماعة
رغم أن الإخوان بمصر أمامهم سنوات طوال ليتحولوا إلى المشروع الجديد، إلا أن الجماعة وتنظيمها الدولى، بدأ بالفعل بالتشكل وفق الصورة الجديدة.
يتحدث الإخوان الآن عن إعادة تشكيل التنظيم الدولى، بل وإلغاؤه، وجعله تنسيقيًا فقط، كما بدأوا فى اليمن طرح مشروع مستقل مرتبط خليجيًا أكثر من ارتباطه دوليًا.
فى الأردن، انقسمت الجماعة، وبدأ التيار المشارك الشرعى، يأخذ الخطوات القانونية للعمل وفق الدستور الأردنى، عن طريق الاندماج والممارسة السياسية الشفافة والمتوازنة التى تعتمد على الكفاءة والخبرات وليس ادعاء الطهر والنقاء والورع والقدسية.
كما فى الجزائر والمغرب الذى كان سابقًا على كل هؤلاء، لا تزال مراجعات الجماعة طويلة وقائمة، لحل إشكالية الفقهى والسياسى، لأنهما متعارضان عمليًا، فحينما نقول إن عبدالله بن أبى بن سلول هو زعيم المنافقين، فإنه سياسيًا كان من الصحابة (لئلا يقول الناس إن محمدًا يقتل أصحابه)، فضلًا عن أن الإخوان أنفسهم، غارقون فى جملة من الإشكالات، وهى السرى والعلنى، الدولة واللا دولة، وغيرها.