الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من الأزهر الشريف "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونأتى بعد ذلك إلى باحث مدقق وعالم محقق وهو وإن كان غير أزهرى فإنه كما وصفه الكتاب الأزهرى المحتوى «من كبار علماء المقاصد الشرعية». نأتى إلى الأستاذ الدكتور محمد كمال الدين إمام، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وقد التقينا معا فى ندوة «الأصولية» بمكتبة الإسكندرية فكان بحثه الذى قدمه فى الندوة ملهمًا ومبدعًا، ودراسته فى كتاب مشيخة الأزهر «مقالات فى التجديد» عنوانها «فى الاجتهاد والتجديد.. مفاهيم وآليات. ورقة مبدئية، ونقاط للتفكير».. والدراسة تستغرق ثمانية وعشرين صفحة من الكتاب ولا نملك إلا أن نعتذر للقارئ وللباحث إذ نختصر. فهو مثلا ينقل عن محمد عبدالله دراز «أن العبادات هى شعار العقيدة وعنوانها لكنها مع عظمتها فى نظر الشريعة هيئة فى العمل، ميسرة لمن أراد، وإنما تختبر الهمم وتبتلى العزائم فى ميدان المعاملات، إذ هى أشد القسمين عناء، بل هى أكثرهما حقوقا فى الدنيا وأثقلهما حسابا فى الآخرة ولا يفهم من ذلك أن الحديث «الدين المعاملة» (وفى الهامش أنه من الأحاديث التى اشتهرت علم الألسنة نسبتها إلى الرسول الكريم وهو حديث لا أصل له) يصلح- متكأ لأولئك المفرطين فى جنب الله، الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون وإذا قيل أنفقوا لا ينفقون ثم يقولون «الدين المعاملة» كأن من أحسن معاملة الناس لا حرج عليه إن أساء معاملة الله (ص٧٢). ثم ينتقل بنا إلى موقف الغرب من التشريع الإسلامى ويركز على ثلاث قضايا: «الموقف من المرأة والعقوبات الجنائية الإسلامية وقضية الربا»، وهذه الثلاثية لها فى العقل الفقهى ما يعتبر فى الأدبيات القديمة والحديثة انفتاحا للنص على كل قضايا الواقع واجتهادا للعقل يحسب له لا عليه، ولكن دون ذلك ترسانة من التشريعات لا يستطيع أن يتخفف منها العقل التشريعى المحافظ بطبيعته وفى ظل أفق دستورى غائم ليست له مرجعية حقيقية تحرك التفاصيل فى الواقع الاجتماعي، (ولعله بهذا يشير إلى عديد من الوقائع التى جرى فيها ظلم الشريعة بمواقف وأحكام تستند إلى ترسانة التشريعات) (ص٧٤) ثم ينتقل بنا إلى فصل سماه «فى ضبط المصطلح» فيقول: «يبدو مصطلح التجديد ملتبسا هل هو تجديد للدين أم تجديد للأحكام؟ أم تجديد للفكر؟ والعمومية والتجريد يحتملهما اللفظ، والمصطلح لابد أن يكون منضبطا فلا بد من التمييز بين التجديد والاجتهاد». ويقول: «الرأى عندى أن المعرفة الأصولية والفقهية المعاصرة توجب الفصل بين المصطلحين فبينهما مغايرة فى الموضوعات ويجتمعان فى المصادر والغايات».
ثم هو يطرح للنقاش فكرة أن «الاجتهاد ميدانه الأحكام الشرعية ويتطلب ذلك عالما فى الفقه يمكنه معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه (ص٧٧). أما التجديد فإنما يكون فى النظم وعالم الوقائع وميدانه فسيح ومنهجه محدود الخبرة والتجريب وأهله هم أهل الاختصاص فى كل فروع العلوم الطبيعية والاجتماعية». ثم ينتقل بنا الدكتور إمام إلى سؤال قد يبدو صعبًا لكنه مهم فيقول: «قد يحدث التزاحم بين قيمتين أخلاقيتين فمثلا عندما «يبحث البعض عن شخص برىء لتعذيبه أو إعدامه ويعرف شخص مكانه الذى يختفى فيه، فإذا سئل عن مكانه فماذا يفعل؟ هل يقول الصدق فيعرض إنسانا بريئًا للقتل؟ أم يقول لا أعلم ويكون قد كذب؟ هنا يحدث تزاحم بين مصلحتين إحداهما قول الصدق والأخرى حفظ حياة برىء» (ص٨٨) ثم هو ينتقل بنا إلى موضوع أكثر تعقيدًا وهو «المصلحة» فيقول: «لقد ثبت بالعقل والتجربة أنه لا يمكن جمع خير جميع الموجودات مع بعضها، فالإنسان يحتاج لأكل لحوم الحيوانات، ولأجل حياته يذبح البقر والأغنام والطيور، وعلى هذا فإن خير بعض الموجودات يضحى بها فى سبيل الأخري، فجميع الموجودات قانونها الحصول على كل ما يقتضيه وجودها فى العالم المادي، ولكن بسبب التزاحم لا يكون عندها إمكانية الحصول على هذا الكمال، فهل من الصحيح القضاء على حياة بعض الحيوانات للمحافظة على حياة الإنسان؟» ويقال هنا إن المصلحة تقتضى ذلك، فما هو مقصود «المصلحة»؟ وبعد شرح فلسفى مطول يحذرنا الدكتور إمام «والمصلحة التى هى من لوازم الاجتهاد الجديد ليست مجرد فكرة يمكن اصطيادها وتأطيرها فى قالب جامد بل هى دليل يتقدم فيه الكلى على الجزئي»، ثم «وهذا يعنى أن عالم الاجتهاد يحتاج إلى عقل مفتوح على شمولية النص، وفاعلية المصادر وحركية الوقائع». ثم هو يحدد القواعد الفقهية مع الاعتراف بقصور العقل عن إدراك الأحكام والمسائل كافة – فإنه يدرك أن الأحكام الفقهية لا تخلو من إحدى حالات ثلاث : ١- لدرء مفسدة، ووقاية من مهالك الدنيا والآخرة، ٢- أن تأتى لأجل دفع البلاء الذى يحل بالإنسان وتذليل العقبات التى تقف بوجهه وتمكينه من ممارسة حياته بشكل أفضل، ٣ – وقبل هذا وذاك أن تكون غايتها لأجل تحقيق مصلحة دنيوية وأخروية للإنسان وهكذا فإنه يضع الأحكام الفقهية مهما تجددت ملتزمة بمصلحة الإنسان وبمصيره فى الدنيا والآخرة، وكل هذه المسائل تحدد مسار نهضة الفقه المعاصر، وتدفع إلى نضج الاجتهاد وتكامل جوانبه. فالفقه باعتباره معرفة متراكمة يدخل فى بنية الزمن باعتباره مجالًا لحركته ويدخل فى كينونة الإنسان باعتباره جزءًا من هويته، ويدخل فى نسيج التاريخ باعتباره وعيًا بوظيفة الفعل الإنسانى ورصدًا لخطواته.
ولا يبقى إلا الشكر الجزيل للأستاذ الدكتور محمد كمال الدين إمام الذى وصفه كتاب الأزهر الشريف بأنه من علماء المقاصد الشرعية.