السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

كابوس الفاشية يؤرق أمن إسرائيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المبادرة العربية التى أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال انعقاد مؤتمر القمة فى لبنان عام ٢٠٠٢ بعنوان (الأرض مقابل السلام) والإجراءات المؤخرة حول ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وإعادة جزيرتى تيران وصنافير إلى السعودية رغم أن القضية الأخيرة غلب علبها مسار عاطفى لمشاعر وطنية متدفقة بدلا من التعامل معها كقضية وثائق دولية، كل هذه الإشارات لا يمكن عزلها عن التصريحات الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسى حول إعادة الروح إلى عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية. تتبنى المملكة السعودية، وهى محقة فى ذلك، دعوة خلق أجواء أكثر استقرارا على الصعيد الأمنى فى المنطقة، وإعادة فرص تحقيق سلام عربى شامل عن طريق مبادرات تقودها قوى معتدلة تملك تاريخا فى التفاوض مع إسرائيل مثل مصر والأردن، مما سيلقى بظلاله الإيجابية على تدعيم الجبهة العربية لمواجهة تهديدات لا تجب الاستهانة بخطورتها صادرة عن إيران. على الطرف الآخر وجود منطقة ذات موقع عسكرى استراتيجى مثل مضيق تيران تحت سيطرة بلد عربى لا تربطه معاهدة سلام رسمية مع إسرائيل رغم ما سبق وروده عن لقاءات غير رسمية سعودية- إسرائيلية لا يتسق مع الهاجس الأمنى الذى جعل تركيبة وجود إسرائيل أقرب إلى «ترسانة أسلحة نووية» فى المنطقة بدلا من كونها دولة، الآن هناك فرصة تعديل القناعة السائدة لدى الحكومة الإسرائيلية أن الانتقال إلى مرحلة الدولة لن يحدث عبر ترسانة الأسلحة التى يحلو لإسرائيل تجربتها كل فترة على قطاع غزة، كل مظاهر الوحشية والدمار التى خلفتها الغارات عجزت عن وضع حد أو تبديد الهواجس الأمنية المتجذرة داخل الشخصية اليهودية، وفقا لملامح الصورة التاريخية التى تمثل إسرائيل بالكيان الشيطانى المحاط بالأطراف المعادية.
إسرائيل عوّدت المجتمع الدولى على تلقى كل المبادرات السابقة إما بإظهار عدم الحماس أو تعليق رفضها للمبادرة على شماعة الانشقاق الفلسطينى وعدم وجود شريك فى عملية السلام. بينما ترجح عدة قراءات إسرائيلية أن تصريحات الرئيس السيسى قد تشكل انفراجة فى أزمة الائتلاف الحاكم الذى يتزعمه رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو إذا نجح فى استثمار مغزى الرسالة بعمق.
تردد الأخبار عن زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى القاهرة لا يشكل دليلا على تراجع الشاغل الأساسى الذى يحكم سياساته فى إسرائيل، وهو البقاء فى السلطة بأى شكل وفى إطار أى تحالفات حزبية مهما كان الثمن الأمنى الذى ستدفعه إسرائيل. إذ بدلا من التركيز على قنوات التفاوض مع الكتل المعتدلة فى إسرائيل مثل حزب العمل وغيره من الأحزاب الداعمة لسياسة التفاوض السلمى سعى نتنياهو فى محاولة يائسة لإنقاذ الائتلاف الحاكم والخروج من حالة الصدام مع قادة الجيش إلى ضم الأحزاب اليمينة المتطرفة، ما يعكس قصورا شديدا فى الفهم، سواء لمغزى دعوة السلام المصرية أو لشخصية الرئيس السيسى. نتنياهو بذلك اختار السباحة داخل نفس دوامة التناقض التى تبتلع حماس، كلاهما ربط مصير القضية بالطرف الخطأ، لا اليمين المتطرف الإسرائيلى يؤمن بالسلام، ولا أبجديات جماعة الإخوان التى اختارتها حماس نموذجا سياسيا تعترف بحق الدفاع عن أرض الوطن.
أهمية إحياء عملية سلام عربي-إسرائيلى فى ظل التحديات التى تواجه المنطقة تكمن فى وضع حد لتمدد التنظيمات الإرهابية التى يهدد توحشها بحرق الأخضر واليابس دون استثناء، إذ مهما بلغت «التفاهمات» السرية بين فصائل هذه التنظيمات والطرف الإسرائيلى فالأخير يدرك جيدا بحكم تاريخ هذه التنظيمات أن السيطرة عليها ليست الرهان المضمون لتحقيق أمن إسرائيل، تاريخ تنظيم القاعدة والانشقاقات اليومية بين التنظيمات المختلفة خير دليل على عدم قدرة ترسانة الأسلحة فى حماية إسرائيل من نار الإرهاب. أمام حالة اليأس المفرط لن يجد الرئيس الفلسطينى محمود عباس بديلا من اتخاذ خطوات أحادية الجانب، مثل التوجه إلى مجلس الأمن أو إقامة دعاوى قضائية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.. هذه الخطوات سيواكبها اشتعال أعمال العنف فى الضفة الغربية، وتتحول مساعى تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة إلى تقارب بين العناصر المتشددة فى غزة والضفة لتستمر دائرة الإرهاب فى توجيه ضرباتها العمياء سواء داخل أو خارج إسرائيل.
عناصر الضغط التى قد تسهم فى تحجيم نزعات نتنياهو الفاشية وتضع أمن إسرائيل قبل تمسكه بالسلطة، تتمثل داخليا فى القوى السياسية المعتدلة، بالإضافة إلى الرأى العام وقدرته على توجيه مسار السياسة الإسرائيلية، خارجيا لا تبدو ملامح الأمل قوية فى مواقف أهم منبر دولى وهو الأمم المتحدة مقابل دور أهم تستطيع مجموعة دول الاتحاد الأوروبى بذله وترجمة مظاهر القلق فى تصريحاتها حول تمدد الإرهاب وحقوق الإنسان إلى واقع يفرض مناخ الاستقرار على المنطقة وممارسة ضغط حقيقى على إسرائيل، من أجل الرضوخ إلى صوت العقل، خصوصا أن تجربة هذه المجموعة مع الحلول العسكرية التى لا تواكبها بدائل سياسية أدت إلى نتائج كارثية فى دول مثل ليبيا وغيرها.
الملامح العامة التى تحكم سواء قرارات أو طبيعة الرئيس السيسى تؤكد أن آخر ما يعنيه عقد قمم أو مؤتمرات تقليدية لا يتجاوز تأثيرها لقطات الصور الرسمية والبيانات المستهلكة، الرئيس السيسى طرح على إسرائيل دعوة عربية تهدف إلى خلق واقع أمنى يخدم مصالح كل المنطقة، صيغة أمنية قائمة على الحقائق الجغرافية.. فهل تستوعب إسرائيل الدرس بعدما عجزت ترسانة الأسلحة عن منحها نعمة الأمن؟.