السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ريادة مصر قدر لنا وحق لهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى إطار سعيه إلى تواصل حقيقى مع الشعب، بجميع تياراته وفئاته، يحرص الرئيس السيسى على تكرار لقاءاته بمجموعات تتسع لتباينات فكرية واضحة.
والحال نفسه يقدمه الرئيس فى خطاباته العامة التى ينقل فيها للناس حقيقة الأوضاع، مفسرًا ما قد يكون الإعلام قد أهمل توضيحه، مثلما يعبر فيها عن الرؤى الحاكمة لحركة الدولة فى الداخل، وكذلك فى محيطها الإقليمى والدولى.
من هنا كان الخطاب الأخير للرئيس السيسى، محل اهتمام بالغ، وربما غير مسبوق، لما تضمنه من ملفات واسعة الاهتمام داخل الرأى العام المحلى والإقليمى والعالمى، فضلًا عن وجودها الدائم على أجندات دوائر صناعة واتخاذ القرار فى محيطنا الإقليمى والدولى على السواء.
فليس من شك أن الرئيس أراد أن يشير بقوة إلى أن مصر غير منكفئة على نفسها تجتر فى صمت ملفاتها الشائكة، بل دولة قوية قادرة على استعادة دورها الفاعل فى المنطقة، مهما تصاعدت أمامها التحديات والمخاطر.
من هنا كان حديث الرئيس عن أنه سيقول كلامًا «غير متوقع»، عندما اقتحم ملف الصراع العربى الإسرائيلى بوضوح ودون مواربة.
والواقع أن الرئيس عندئذ إنما يدفع بالتطلعات الشعبية إلى مناطق بعيدة تتناسب قطعًا مع قيم ومبادئ الثورة المصرية الملهمة فى الخامس والعشرين من يناير، وموجتها التصحيحية فى الثلاثين من يونيو؛ ذلك أن الدولة المدنية الحديثة التى نتطلع إليها جميعًا، ونسعى إلى تشييدها بعزم أشد من الصعوبات التى تحيط بنا؛ إنما هى الدولة القادرة على الانخراط بفاعلية فى المجتمع الدولى، وليست الدولة المنسحبة إلى آلامها، مهما عظمت، المنشغلة بقضاياها الداخلية، وإن تزايدت على نحو فريد.
ففى إطار إدراكنا لحقيقة ما نروج له بين دوائر الرأى العام، ينبغى أن نشير إلى تشابك وتعقد الملفات الداخلية والخارجية، على نحو ما هو حادث بالفعل بين الملفات الاقتصادية وغيرها السياسية والأمنية. ومن هنا فإن دولة تعجز عن مد مجالها الحيوى إلى جميع أطراف أمنها القومى، لا تحوز بالفعل مشروعية الانضمام إلى الدول المدنية الديمقراطية.
وعلى ذلك، فإن توجه مصر إلى اقتحام الصراع العربى الإسرائيلى، الأزلى فى المنطقة، لم يكن لنا منه مهرب، فلا سبيل إلا هو لاختبار ما تملكه الدولة المصرية من إرادة وعزيمة على استرداد قوتها الإقليمية، وتأثيرها فى المنطقة.
بل إننى أزعم أن تفريطًا فى ذلك، أو تخلفًا عن إدراكه، يشى بانفراط عقد الدولة المصرية فى المنطقة، وهو ما لا يمكن تعويضه بحفنة من المليارات أو المساعدات الاقتصادية، رغم ما للأخيرة من دور حقيقى فى دفع الوطن بعيدًا عن حافة المخاطر. وأزعم كذلك أننى هنا أقول الوطن العربى ككل، وليس مصر فحسب؛ ذلك أن مصر القوية الرائدة، ليست مطلبًا مصريًا، مثلما هى حق مكتسب للأمة العربية، وقد نال الأخيرة ما نالها من ضعف وتشتت فى كل مرة تغيب فيها مصر عن موقعها الريادى. وهذه حقائق تاريخية لا تقبل الجدل، ولا تميل إلى المزايدة والانحياز، حتى أن المساحة تعجز عن ضم الأدلة والقرائن، على أن قوة العرب من قوة مصر، وغياب مصر لا بديل عنه فى المنطقة.
غير أن المتابع لكلمة الرئيس السيسى فى هذا الخصوص، يجد أن الرئيس لم يطرح مبادرة بعينها، ولم يقدم بدائل أمام أطراف الصراع، الفلسطينيين والإسرائيليين، بل أكد عزم مصر على تحمل مسئولياتها رغم ما تواجه من صعوبات، وطالب الكل بالوقوف بشجاعة أمام مسئولياته التاريخية، مؤكدًا أن السلام يستحق من الجميع بذل الكثير من التضحيات، باسطًا يده لكل مبادرة موجودة على الساحة، سواء المبادرة العربية التى أهملتها إسرائيل طويلًا، أو المبادرة الفرنسية التى واجهت تعنتًا إسرائيليًا لافتًا، أو مساعى «الرباعية الدولية» التى تراوح مكانها دون حراك حقيقى حتى تراجعت عن المتابعة من جانب الرأى العام العالمى.
ولعل فى ذلك ما يشير إلى حنكة الرئيس السيسى فى تناوله للصراع العربى الإسرائيلى، فلم يشأ أن يقدم بديلًا عن جهود وفكر الآخرين، بل سعى بجدية إلى البناء على ما قاموا به من جهد، وما توصلوا إليه من نتائج، وإن كانت محدودة، وتلك سمة المفاوض المحنك الذى لا يهدر أبدًا قليلًا تم إدراكه، ولا يغفل عن صغير تم الحصول عليه.
ومن هنا كان حديث الرئيس السيسى دفعًا بالصراع العربى الإسرائيلى إلى الأمام، وتحريكًا للمياه الراكدة، وهو أمر لا ينبغى إخضاعه لفنون المزايدات، وما أكثر أصحابها. ولا يصح إدراجه ضمن سُبل الطعن فى الوطن، وما أوسعها أمام كل حريص على مصالحه الذاتية. إذ لا سبيل إلى تحميل كلمة الرئيس فوق ما تحتمل، ولا جدوى كذلك من تفريغها من مضمونها المعتبر داخل الرأى العام المحلى وعلى امتداده الإقليمى والعالمى.
فواقع الأمر أن الترتيبات الإقليمية الجديدة المنوط بها إعادة توازنات القوى الإقليمية، لا يمكن أن تتجاهل الصراع العربى الإسرائيلى، بما له من أثر بالغ على حركة القوى الإقليمية وامتداداتها الدولية، وهو ما يشير بقوة إلى أن تفاعلات جديدة لا يمكن أن تنشأ دون التأثير على الصراع التاريخى فى المنطقة. ومن هنا بات مؤكدًا أن تشهد المنطقة تحركات واضحة فى هذا الشأن.
وقد يظل البعض حبيس فكرة قديمة مفادها دخول الولايات المتحدة نفق العام الانتخابى للرئاسة، وما يعنيه من تقوقع أمريكى لافت، غير أن الأمر على هذا الحال، يؤكد عدم إدراك متغيرات شتى على واقع العلاقات الدولية المعاصرة. فليس من شك أن الولايات المتحدة تسعى إلى انسحاب جزئى من المنطقة الأكثر سخونة فى العالم، تاركة أمن وسلام المنطقة لمجموعة من القوى الإقليمية، على عاتقها تقع مسئولية إحداث التوازن الإقليمى، دون أن يعنى ذلك غيابًا للنفوذ الأمريكى عن المنطقة، فقط تتغير أدوات العمل ومناهجه، ما بين تدخل عسكرى وأمنى مباشر، إلى رقابة سياسية ودبلوماسية خارجية، مع دفع أطراف إقليمية للقيام بدورها فى المنطقة، تحت بصر وسمع القوى الدولية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، التى لا يملك رئيسها تقرير الانسحاب من موقع الزعامة الأمريكية للنظام العالمى، سواء كان ديمقراطيًا أو جمهوريًا.
فى هذا السياق، لاحظ حرص كيرى على دعوة وزير خارجيتنا إسماعيل شكرى، وهو يترأس وفد مصر فى مجلس الأمن، بمناسبة ترؤس مصر مجلس الأمن خلال شهر مايو، إلى لقائه فى واشنطن. ثم كانت كلمة الرئيس السيسى عشية زيارة كيرى للقاهرة ولقاؤه مع الرئيس. من هنا تدرك أن ترتيبات جديدة بالقطع تنتظرها المنطقة، تنهض فيها مصر بدور فاعل كبير، لا بديل لها فيه؛ ومن ثم فأمور شتى تحملها الأيام المقبلة باتجاه تحريك حقيقى للصراع العربى الإسرائيلى.
غير أن إدراكًا سليمًا وموضوعيًا لحقائق الصراع العربى الإسرائيلى، وطبيعة المتصارعين، ومستجدات الأوضاع فى المنطقة، كل ذلك لا ييسر لنا آمالًا عريضة، بها نستشرف حلولًا فورية ناجعة لنزاع تاريخى، عاصرته أجيال متعاقبة. ومن ثم فلتخرج المساعى المصرية بعيدًا عن دوائر المزايدات السياسية، ولنسحب البساط من أقدام صغيرة، ما نجحت يومًا فى عرقلة حركة الدولة المصرية فى المنطقة، ولا استطاعت متابعة الخطى المصرية الواثقة، حين تنشغل مصر بترتيب أوراقها. وليعلم الجميع أن ريادة مصر ليست كلمة تُطلق فى خطاب، فيتجنبها الرئيس، بل قدرًا لا تملك مصر التخلص منه، وحقًا للعرب لا يمكن إنكاره عليهم.