وراء تلك التفاحة المقضومة apple الملساء الجميلة قصة. وهى العلامة التجارية لأكبر شركة لصناعة الحاسبات الآلية. قصة واقعية، وكانت هى نطفة خيال عالم رياضيات إنجليزى، يقال إن التفاحة المقضومة التى اتخذتها الشركة علامة تجارية لها هى تحية لعبقريته.
هو عالم الرياضيات الإنجليزى «ألان تورينج». عشت مع قصة حياته فى ليلة من هذه الليالى التى وصلت درجة الحرارة فيها لأعلى مستوياتها فى العالم كله. وفى ليلة كهذه يمنحنا الفن فرصة للتصالح مع الواقع. يمنحنا الفن حقنا الإنسانى فى المتعة الوجدانية والعقلية الخالصة، وهذا ما حدث فقد عشت ليلة رائعة مع قصة حياة عالم الرياضيات البريطانى «ألان تورينج» فى فيلم «لعبة المحاكاة» الذى قام ببطولته الممثل الإنجليزى «بيندكت كامبرباتش» الذى أدى دور عالم الرياضيات الذى وصفه بأنه «رجل خارق للعادة» وكان هذا الوصف لصيقا بتورينج طوال حياته العلمية قال عنه بيندكت «يجب أن تكون صورته على أغلفة الكتب».
تبدأ أحداث الفيلم مع بدايات الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩ ومع هذه الأحداث تبدأ معجزة الرجل الخارق للعادة. حيث يكلفه الجيش البريطانى بفك شفرة الرسائل الألمانية، وكانت تتغير كل ٢٤ ساعة مما جعل فكها أمرا يصل للاستحالة. يحاول تورينج استخدام علمه فى الرياضيات لفك رموز الشفرة التى تستعصى على الفك. يحاول أيضا من خلال محاكاة لعبة الشطرنج والكلمات المتقاطعة، ولكن أيضا تقف كالطلاسم أمام عبقريته. ولأنه عبقرى بحق تتفجر عبقريته بضرورة اختراع جهاز له قدرة على فك رموز الشفرة الألمانية وكان أن اخترع هذا الجهاز فى عام ١٩٤١.
أسلاك وتروس تتحرك وتفك الشفرة، وتنقذ وفقا للتقديرات نحو ١٤ مليون إنسان من الموت بقاذفات هتلر. كانت هذه الأسلاك والتروس هى أول جهاز يمكن أن نطلق عليها «كومبيوتر» عرفته البشرية. أو هو الومضة الأولى لانطلاق هذه الثورة التكنولوجية، جهاز عملاق سماه «كريستوفر» وهو اسم صديق طفولته. وتنتهى الحرب، ويعود تورينج لعمله أستاذا للرياضيات بجامعة كامبريدج. يعود بجهازه المعجزة. جهاز فى حجم غرفة يعمل بمئات التروس، ومئات الأمتار من الأسلاك، ويصدر وهو يعمل صوتا كأنه صوت ماكينات الطحين أو صوت عجلات القطار فوق القضبان الحديدية.
كانت المهمة التى كلف الجيش البريطانى بها «تورينج» وزملاءه والتى اخترع أثناءها جهازه بموافقة مباشرة من «تشرشل»- كانت سرية جدا لذا تم إحراق جميع الأوراق المتعلقة بها بأوامر عسكرية صارمة. وتمر الحياة حتى عام ١٩٥١، وبسبب وقوع حادث تافه يكتشف البوليس البريطانى أن «تورينج» مثلى الجنس، وكانت المثلية فى ذاك الوقت مجرمة فى القانون البريطانى، ورغم دوره العظيم فلم يجد ورقة ولا شاهدا على دوره العظيم فتمت إدانته، ووضع أمام اختيار واحدة من عقوبتين. إما السجن وإما العلاج الهرمونى «الإخصاء الكيميائى» فاختار العقوبة الثانية وذلك كما قال «ليس هروبا من السجن ولكننى لا أستطيع أن أبتعد عن كريستوفر خاصة أنه يزداد ذكاء».
حادثة وقعت بالمصادفة فأدين وعومل كمجرد شاذ جنسيا. فانتحر فى عام ١٩٥٤. وضع سيانيد البوتاسيوم على طرف تفاحة، وقضمها فمات. تلك التفاحة المقضومة التى كما يقال هى التى أصبحت علامة تجارية لأكبر شركة فى العالم لإنتاج الحواسب الآلية التى وضع تورينج أول ترس فيها والتى كانت بحجم غرفة والآن أصبحت أصغر من كف اليد.
ظلت ذكرى الرجل الخارق للعادة ملوثة حتى تكشفت وثائق وأسرار دوره العظيم فتم تكريم اسمه ورد اعتباره فى عام ٢٠١٣ ومنحت اسمه ملكة بريطانيا لقب سير، وربما يكون الأكثر جمالا أن تكون التفاحة المقضومة الملساء الجميلة والتى وضعت كعلامة تجارية لكبرى الشركات العالمية بالفعل قد وضعت تكريما له. الفيلم قيمة فنية عالية. قطعة من الفن الخالص تليق بعبقرى فذ وصناع عباقرة أفذاذ أيضا لهذا الفيلم الذى قدم قصة لا بد أن نتذكرها كلما جلسنا بصحبة حواسبنا الآلية الأصغر من حجم الكف علنا نتذكر تحية لجهاز تورينج الذى كان بحجم غرفة.
