الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شبح 11 سبتمبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما ظهر أن خمسة عشر من الإرهابيين الذين شاركوا في هجمات الحادى عشر من سبتمبر هم سعوديون، أدركنا حينها أننا أمام أزمة قد تدوم لسنوات في العلاقات بين بلدين كانا دائما صديقين وحليفين. ومرت ما تبقى من أسابيع ذلك العام ٢٠٠١ والسنوات اللاحقة بطيئة، إلى أن استكملت لجنة التحقيقات عملها، وأكدت براءة السعودية، وطوى الملف. لكن الأسابيع الماضية شهدت أعلى درجات التوتر بين الرياض وواشنطن، وزاد الطين بلة أن مجلس الشيوخ وبالإجماع أقر تشريًعا يفتح الباب لأهالي ضحايا الهجمات لرفع دعاوى ضد السعودية، إن أثبتوا في المحكمة أنها ضالعة في تلك الهجمات! لكن سبق، وفى واحدة من أكبر عمليات التحقيق في التاريخ، أن قلب التحريون والمفتشون الأمريكيون كل حجر، بحثا عن أدلة تقودهم إلى كل من له علاقة بتلك الجريمة، ولم يجدوا دليلا ضد السعودية. كانت كلها تقود إلى تنظيم القاعدة، الذي هو العدو الأول للسعودية، الذي باشر حربه ضدها منذ التسعينيات. ولا يمكن أن يخطر على بال أي سياسي أمريكى ملم بشئون الشرق الأوسط، وكذلك أي خبير أمنى أو استخباراتي، وجود علاقة للسعودية بما فعله تنظيم القاعدة، سواء تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن أو أي مكان آخر في العالم. والحقيقة لم تتحول هذه التهمة السخيفة إلى موضوع سياسي جاد إلا في الآونة الأخيرة، مع ما أصاب العلاقة السياسية بفتور وتباعد في قضايا مختلفة، وانفتاح إيرانى على الغرب. حتى الصفحات الثمانى والعشرين في تقرير لجنة محققى هجمات الحادى عشر من سبتمبر، كانت حكومة الرئيس السابق، جورج دبليو بوش، حريصة على حجبها، تحاشيا لإيذاء العلاقة مع السعودية في وقت كانت فيه المشاعر الغاضبة قد لا تميز بين الأخطاء والأفعال المتعمدة. حينها كنت سألت مسئولا سعوديا عنها، فقال لم نطلب حجبها ولا نمانع في نشرها، فالحقائق كلها معروفة للجنة التحقيق. الآن نشرت الصفحات المحجوبة، وستستخدم من قبل خصوم السعودية في الجدل السياسي، لكنها ليست وثيقة إدانة. لم تكن للسعودية علاقة بـ«القاعدة»، في عشرين عاما هي عمر التنظيم الإرهابي، بل كانت هي العدو الأول للتنظيم. في حين أن تعامل إيران مع «القاعدة» صار مؤكدا. فقد آوت عشرات من قياداتها الذين فروا من القصف الأمريكى لهم في أفغانستان عام ٢٠٠١. وقد سبق لـ«واشنطن بوست» أن نشرت وثائق عثر عليها الأمريكيون في خزانة أسامة بن لادن، في مخبئه الذي قتلوه فيه، في مدينة أبوت آباد في باكستان. كشفت كيف كتب زعيم «القاعدة» لرجاله ألا يتعرضوا لإيران، ولا يهاجموا شيعتها في العراق، لأن نظام إيران هو حليف لـ«القاعدة»، يمدهم بالتمويل والرجال والسلاح والاتصالات. الموضوعات الخلافية بين الرياض وواشنطن ليست جوهرية، وكان أصعبها في السابق تتمحور حول نشاطات المتطرفين من دعاة متطرفين وجامعى تبرعات وإعلام يحابى «القاعدة». حتى هذه تم تذليلها، بعد أن نجحت وزارة الداخلية السعودية في هدم الهياكل التي ساندت الإرهاب فكريا، واعتقلت آلافا ممن كان لهم دور في تجنيد «الجهاديين»، أو جمع التبرعات، أو الدعاية لهم. وفوق هذا كله فتحت السعودية أبوابها للمحققين الفيدراليين الأمريكيين للتحقيق في كل الشبهات التي طرأت خلال التحقيقات. أتربة العاصفة الحالية، التي ترافق التبدلات الكبيرة في العلاقات الأميركية الإيرانية، يفترض ألا تعمى الأبصار عن رؤية المشترك في العلاقات. فطهران التي كانت تتبنى سياسة العداء لواشنطن، واكتشفت بعد أكثر من ثلاثين عاما أنها المتضرر الوحيد من الخصومة، قررت التصالح والتنازل، مع هذا فإن طبيعة النظام الإيرانى ستمنعه من تحول حقيقى نحو الغرب، والحفاظ على علاقات دائمة معه.
نقلا عن الشرق الأوسط