الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حوار الثقافات والأديان وتعليم السلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان من حظى فى الثمانينات وأنا بجامعة باريس أن أنضم إلى مؤسسة لحوار الأديان أسسها شخصية مصرية عالية المستوى؛ المرحوم الدكتور عادل عامر، ومعه الأب الكاثوليكى ميشيل ميلون .
وبعد وفاة د.عادل انتخبت رئيسا للمؤسسة «ADIC» ولم يمر وقت طويل قبل أن أدعو إلى جمعية استثنائية، وأن أقترح على الأعضاء أن أضيف إلى اسم المؤسسة حوار الثقافات بجانب حوار الأديان وتعليم السلام، وكانت الفكرة وراء إضافة عنوان حوار الثقافات فى عام ٢٠١٠ أن الأهمية القصوى لأولوية الثقافات أنها تعطى لحوار الأديان معنى حضاريا وأيضا أن الجمع بين الثقافات والأديان يغنى بعضهما بعضا.
وبعد عام كامل من تولى مسئولية المؤسسة سنة ١٩٩٥ عقدنا مؤتمرا عالى المستوى بجامعة السوربون، جمع بين ممثلى الأديان السماوية الثلاثة فى حضور الكاردينال كينيج رئيس حوار الأديان بالفاتيكان وممثل الفاتيكان بفيينا والحاخام رينيه سيرات، ومثل المسلمين فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق عميد كلية أصول الدين قبل أن يصبح بعدها وزيرا للأوقاف ورئيسا للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وأصدر قرارا بتعيينى رئيسا للجنة الحوار.
وحضرت شخصيات هامة المؤتمر وكذلك شخصيات إعلامية معروفة مثل الأستاذ مفيد فوزى ووزراء فرنسيين مثل جان دى ليكوفسكى وزير الدولة للشئون الخارجية ورئيس مسجد باريس د.دليل بوباكير.
وكان مؤتمر السوربون نقطة تحول فى تاريخ مؤسسة الحوار الـ ADIC لأهمية الكلمات والنقاش الذى دار بين المفكرين والكتاب ورجال الدين، وتم طبع ونشر كل ما دار من كلمات فى مؤتمر السوربون وأصبح بالتالى مرجعية فى تاريخ هذه المؤسسة هى أيضا لتعليم السلام.
فالسلام هو علم نتعلمه جميعا وأهم مواده هى الثقافات والأديان والتاريخ، ومن أهم مدارس التاريخ إسبانيا التى التقت فيها الأديان كلها على أرض الواقع من يهودية ومسيحية وإسلام، وعقدت مؤسستنا كثيرا من المؤتمرات فيها.. ونحن بصدد فتح فرع لنا فى هذا البلد الغنى بتاريخه.
وكان من الطبيعى أن نفتح فرعا لمؤسسة حوار الثقافات والأديان فى مصر أرض الأديان كلها.
وكان من حسن الحظ أن ينال حوار الأديان دعما كبيرا من فضيلة شيخ الأزهر الراحل جاد الحق على جاد الحق، وتم فى عهده إنشاء حدث تاريخى هو التوقيع على اتفاقية بين الأزهر والفاتيكان .
ولهذه الاتفاقية التاريخية قصة تستحق السرد للحوار بين الأزهر والفاتيكان، ففى إبريل ١٩٩٤ عندما أقنعت الكاردينال كينيج المسئول عن الحوار بالفاتيكان بأن يذهب معى إلى برن بسويسرا ليلتقى بشيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق حيث كان يتلقى علاجا هناك وجاء الكاردينال إلى برن ليطمئن على صحة الأمام الأكبر.
اجتمع الرجلان فى جلستين كاملتين امتدتا على مدى خمس ساعات أسفرتا بعدها عن حبل من الثقة والمودة قد نشأ وامتد بينهما، وعندما انتهى اللقاء قال لى الإمام الأكبر «يا دكتور على .. هذا طرح جديد لقضايا الحوار أفهمه وبالتالى فإن فكرة التعاون بين الأزهر والفاتيكان قابلة للبحث».
وفى اليوم التالى لنجاح مؤتمر السوربون تم عرض أفكار المؤتمر فى البرنامج المتفرد للإعلامى الكبير مفيد فوزى والكاردينال كينيج وهو يقول «من الأديان نتعلم ومن الإسلام تعلمت»، وكذلك الحوار مع الحاخام سيرات وهو يقول بصراحة وأمانة «لقد قرأت كل كلمة فى القرآن ولم أصادف كلمة واحدة تدعو إلى العنف أو التطرف أو إلى رفض الآخر». واتصل بى الأمام الأكبر بعد أن استمع إلى «حديث المدينة» وقال لى بصراحة: «لقد وصلتنى رسالتك وفهمت ما تريد وإننى أفوضك يا دكتور كى تذهب إلى المجلس البابوى للحوار مع الفاتيكان وفتح باب الحوار».
وبعد عودتى للقاهرة ذهبت للقاء الإمام الأكبر جاد الحق الذى استقبلنى مرحبا وقال لى «لقد أعطيتك موافقتى على أن تبدأ المباحثات مع الفاتيكان ولكن أرجو أن تعلم أننى لا أستطيع أن أعطى أمرا لمن حولى فيطيعون. إن الحوار إرادة وقبول فردى والطريق أمامك مفتوح لتلتقى بقيادات الأزهر، لأنى أريد حينما تأتى ساعة التوقيع على اتفاق رسمى بيننا ألا يخرج صوت واحد يقول لا..».
وكان مشوارى مع قادة الأزهر يعتمد على الكلمة الهادئة غير الملحة أو المتعجلة، وقد استغرق ذلك منى أربع سنوات أى إلى عام ١٩٩٨، وأشهد الله أن الأمام الأكبر جاد الحق طلب منى أن تترجم كل كلمة قيلت فى مؤتمر السوربون إلى العربية، وكانت أعمال المؤتمر تقع فى أكثر من ٢٠٠ صفحة تم توزيع نسخة الأعمال كاملة على أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ليدلى كل منهم برأيه فى موضوع الحوار.
وحين انتقل الشيخ جاد الحق إلى جوار ربه جاء فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى، كان علينا أن نسارع إلى الخطوات الأخيرة من الاتفاقية وإعداد الأرض للقاء أخير بين وفد الفاتيكان برئاسة المطران فيتز جيرالد والإمام الأكبر، وبعد هذا اللقاء أذكر أننى عندما عدت إلى بيتى ليلا وأنا أتأمل وأفكر فى مشوار الحوار على مدى أربع سنوات ثم تأملته وهو على وشك أن يكلل بالنجاح- قمت أصلى لله شكرا فهو الملهم وهو خير المستعان.
وجاء يوم لا أنساه ففى ٢٨ مايو ١٩٩٨، تم التوقع على الوثيقة التاريخية بين الأزهر ووقع عليها وكيل الأزهر الشيخ فوزى الزفزاف وشخصى ومن الفاتيكان الكاردينال أرينز والمطران فيتزجيرالد.
وجاء اللقاء مع البابا يوحنا بولس الثانى فى اليوم التالى للتوقيع على الاتفاق، واستقبلنا البابا فى قاعة فسيحة ومهيبة وألقى علينا خطابا رسميا أشار فيه للأهمية التاريخية للوثيقة التى وقعنا عليها، وقال الشيخ فوزى الزفزاف كلمته بالنيابة عن شيخ الأزهر ثم جاء دورى وأصررت على ألا تكون كلمتى مكتوبة، بل تأتى من وحى الساعة واللحظة.
وخرجنا إلى ساحة الفاتيكان ليلتف حولنا رجال الإعلام، لنعلن على الملأ وفى يدنا نص الوثيقة ونقول للعالم «إن باب الأزهر وقلبه وعقله مفتوح للحوار لنبنى للأجيال المقبلة فرصة الأمل فى غد أفضل».