الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذه العبارة متداولة بشدة على مواقع التواصل الاجتماعى، تعليقا على أحداث ومشاهد فائقة الغرابة والجمال، أو أحداث ومواقف ساخرة، آخر ما رأيته منها صورتان إحداهما لغرفة فى مستشفى عام فى مصر تبدو عليها القذارة فى كل الجدران والأرض وسرير متسخ الفراش، وصورة أخرى لغرفة فى سجن فى دولة السويد تبدو فائقة النظافة، سريرها يجعلك تقفز لتنام عليه والجدران لامعة مطلية وبها مكتبة صغيرة للكتب وأباجورة جوار السرير ومصباح رائع فى السقف، وعلق صاحب الصورتين ساخرا: لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله. والحقيقة الفارق بين الصورتين والمكانين رهيب والسخرية هنا من هذا الفارق ومن الذين يروجون أن هذه هى إرادة الله. فى مصر طبعا. تماما كما كتب الشاعر عماد أبوصالح قصيدة بعنوان الديكتاتور يقول فيها ساخرا: إنه يسحق الناس ويفقرهم ويمرضهم حتى يلحقوا بالجنة، فأعماله كما يراها هو الديكتاتور تقربا إلى الله ومن صلب الإيمان. والحقيقة أننى فى دهشة كبيرة جدا من زمان مما يصل إليه حالنا فى مصر. وكلما رحت أتذكر مصر زمان أو أقلب فى صفحاتها على الإنترنت أصاب بالصدمة وخاصة أنى رأيت شيئا من هذا كله فى طفولتى فى الخمسينات. لقد رأيت بعد ذلك نظما سياسية كلها تعد الشعب بدنيا أفضل وكلها تطلب منه التضحيات لإصلاح ما أفسده من قبله، والنتيجة أنه لا أحد أصلح أى شيء حتى الآن، بل إن كفة الفساد هى الرابحة دائما وكافة الجهل والمرض والبطالة والعوز لدى الأكثرية من الشعب. ويكون علينا أن نصدق كل رئيس وكل حكومة وبعد أن ينتهى وجودهما نكتشف أن لا شيء حدث من التقدم المزعوم الذى حدثونا عنه. والأمور تصل فى إعجازها من الفساد إلى درجة أن ما يحدث يفوق العقل. فاقتصاديا كل شيء مباع أو ممنوح لمن كانوا يملكون كل شيء من قبل، واجتماعيا لا أثر لأى عمل اجتماعى إلا ما ندر، وعادة يكون أبطاله أناسا عاديين لا الدولة نفسها ولا النظام مثل حملات التبرعات للمستشفيات وغيره، ولا أريد أن أستمر يكفى أن أقول لكم إن الجنيه المصرى يوما ما كان يساوى ثلاثة دولارات. وإن الجنيه المصرى كان يساوى جنيها من الذهب وبعض الفضة. والدول التى كانت معنا فى ذلك الوقت قوية العملة ظلت قوية العملة بينما نحن انهارت عملتنا وتنهار كل يوم ومن ثم ترتفع أسعار كل شيء ونسمع كل يوم كلاما عن أنه لا زيادة فى الأسعار فلا أجد ما أقوله غير لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله. أما فى السياسة فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله ألف مرة، لأن كل رئيس جاء فى مصر اعتبر نفسه هو الشعب وهو الذى يفهم وعلى الشعب الطاعة والصبر، والنتيجة هى ما تراه حولك فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله. والحمد لله. كل رئيس دعا إلى دستور جديد لم يقم باحترام الدستور لا هو ولا حكومته بل كان مجلس الأمة ثم الشعب يغير فى المواد ليكون الرئيس دائما وأبدا، ولاتزال هذه الرغبة موجودة فقط عطلتها الأحداث فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله. وهكذا لا يتعظ رئيس أو مسئول مما جرى من قبل بل يعيدون نفس السياسة وبنفس الناس تقريبا وعلى الشعب أن يصدق، وعلى الشعب أن ينتظر الأمل الذى بدا مثل البرابرة فى قصيدة فى انتظار البرابرة لكفافيس، هؤلاء الذين لم يأتوا أبدا للبلاد رغم انتظارهم وخروج المدينة كلها بحاكمها وأعيانها لاستقبالهم. حتى البرابرة لم يأتوا فى القصيدة فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله. وهكذا فسبحان الله صارت كلمة رائعة توحى بالعظمة الإلهية بقدر ما توحى بالصبر. أما العظمة الإلهية فهى فى خلق الله للعالم والناس وفى خلقه شئون والصبر لنا. الحقيقة أن الله نفسه صابر لكنه يمهل ولا يهمل. فلا الذين رفعوا شعاره نفعوا ولا الذين لم يرفعوا شعاره نافعون. فسبحان ربى العظيم. سبحان ربى العظيم. الصبر مفتاح الفرج.