الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الذين يقولون لا للرئيس "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعم، هناك من يقول لا للرئيس وهم ليسوا من المعارضين له، بل هم من أعوانه أو هم من داخل دولاب العمل بالدولة، وأما الرئيس فهو ينصت جيدا للآراء التى تقال فى حضرته، ولا أقصد هنا الرئيس السيسى فقط بل كل من سبقوه من رؤساء مصر، عدا ذلك الرجل الذى كان سكرتيرا للمرشد، الذى لا يصح أن نعده من رؤساء مصر، وكثيرة هى الاجتماعات التى واجه فيها الرؤساء مناقشة من معاونيهم وكانت تنتهى هذه الاجتماعات بتراجع الرئيس عن رأيه وامتثاله لرأى مخالف له، فعبد الناصر الذى اتهم بالديكتاتورية والفاشية كان يستمع لمعاونيه، ويروى لنا السيد أمين هويدى فى كتابه «مع عبد الناصر» كيف أن عبد الناصر قام بتشكيل لجنة استشارية برئاسة على صبرى وزير شئون رئاسة الجمهورية، وكان من بين أعضائها عبدالقادر حاتم ومراد غالب والسيد أمين هويدى وسامى شرف ومجموعة كبيرة من المتخصصين فى كل المجالات، وهذه اللجنة كانت مهمتها دراسة الموضوعات الهامة التى تفرض نفسها على الواقع السياسى والاقتصادى، بالإضافة إلى دراسة القرارات التى ينوى الرئيس اتخاذها، ثم ترفع هذه اللجنة ما تراه من توصيات واقتراحات، وكان عبد الناصر يقضى وقتا طويلا فى قراءة هذه التوصيات ومناقشة رئيسها والأعضاء الذين يطلبهم بالاسم، وعلى ضوء هذه المناقشات كان يتخذ القرار، ويقول هويدى: «وصل إلى علم الرئيس أن إهمالاً ما حدث فى بعض المستشفيات وقت حدوث بعض إصابات الكوليرا، ووجه اللوم والعتاب إلى الدكتور عبده سلام وزير الصحة فى ذلك الوقت، إلا أن عبده سلام وفى ثقة تامة لا تخلو من الانفعال الواضح أخذ يوضح الموقف بأرقام وإحصائيات لا تقبل الشك، وكان الرجل يتحدث فى صدق وعلامات التعب بادية عليه، وما لبثت أن ظهرت علامات الرضا على وجه الرئيس، وقال: طيب يا سيدى إحنا متأسفين ومقدرين جهدك وجهد رجالك تمام التقدير، وضحك ضحكته المشهورة»، وقد أورد الأستاذ هيكل فى كتابه «أكتوبر ٧٣ السلاح والسياسة» أن الرئيس عبد الناصر التقى فى مارس ٦٩ وزير خارجيته محمود فوزى قبل سفر الأخير إلى واشنطن لحضور جنازة أيزنهاور، وقد شرح عبد الناصر فى هذا اللقاء وجهة نظره، وهى أن تقتصر الزيارة على تقديم العزاء، وألا يدخل فى مفاوضات مع الأمريكان لعدم جدوى هذه المفاوضات فى هذا الظرف، وعلى الدكتور فوزى أن يستغل فرصة تواجد ساسة العالم هناك للاشتراك فى جنازة أيزنهاور بأن يجرى معهم اتصالاته لسماع وجهات النظر الأخرى، وسافر فوزى ثم أرسل برقية للرئيس عبد الناصر يخبره فيها بأنه جلس مع وزير الخارجية الأمريكى روجرز، وأنه –أى فوزى- وجدها فرصة مناسبة للدخول فى حوار مباشر معه حول الوضع فى الشرق الأوسط، وأن روجرز لديه رؤية لحل الأزمة، ولم يغضب عبد الناصر من رسالة فوزى التى تعارضت مع تكليفه له بتقديم واجب العزاء فقط، وعدم الدخول فى مفاوضات، بل أرسل إليه برقية عاجلة يطالبه فيها بالمضى فى المفاوضات ولقاء روجرز مرة أخرى، لم يكتب له عبدالناصر كيف خالفت تعليماتى ومن أعطاك الإذن بالدخول فى مفاوضات، وقد رأينا فى المقال السابق كيف أن السادات كان ينصت لمعاونيه للوصول إلى قرار رشيد، ونفس الأمر تكرر فى عهد مبارك، وأذكر هنا أننى حينما كتبت فى ٢٠٠٨ المسلسل الإذاعى «سيرة ومسيرة» الذى تناولت فيه حياة الرئيس مبارك، كيف فاجأنى الدكتور أسامة الباز بمكالمة هاتفية يشيد فيها بما سمعه، وفى ذات الوقت يصحح لى خطأ تاريخيا وقعت فيه حين ألفت مسمعاً درامياً مفاده بأن الرئيس مبارك كان حريصا على لقاء الرئيس الإيرانى محمد خاتمى على هامش القمة المعلوماتية التى عقدت فى جنيف عام ٢٠٠٤، وأوضح لى الباز أن الرئيس مبارك كان رافضا لهذا اللقاء لثلاثة اعتبارات، الأولى أن إيران تهدد أمن الخليج وتحتل جزرا للإمارات، والثانية أن إيران تأوى مجموعة من الإرهابيين الفارين من مصر، والثالثة أن إيران تطلق اسم قاتل الرئيس السادات على أحد أهم شوارع طهران، مما يمثل إهانة للدولة المصرية، ولكن أمام رغبة الباز والسيد أحمد ماهر وزير الخارجية وافق مبارك على هذا اللقاء بعدما اقتنع برأيهما فى ضرورة كسر جمود العلاقة فى هذا التوقيت، والتلويح لتركيا بورقة إيران، وقد امتثل مبارك لرأيهما وقابل خاتمى، إذن فالرئيس فى بلادى لا يحكم منفردا، ولا يأخذ قراره دون الرجوع إلى المتخصصين من معاونيه، فهل وصلت الرسالة أيها الحمقى يا من تتهمون الرئيس بالتنازل عن جزيرتى صنافير وتيران؟.