الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ألعاب التسلية وتاريخ علم النفس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوشك على الصدور ضمن مطبوعات المركز القومى للترجمة، كتاب بالغ الأهمية عن تاريخ علم النفس الحديث؛ كان لى شرف المشاركة فى ترجمته ومراجعته، ويتميز الكتاب بالربط بين الأفكار الرئيسية التى أثرت فى مسار تاريخ علم النفس؛ وما يثير اهتمام العامة من مبتكرات تبدو بسيطة.
كان المثقفون والنخبة الأرستقراطية فى القرن السابع عشر، لديهم بالفعل نماذج تجسد فكرة الآلة ذاتية الحركة، متمثلة فيما يمتلكونه من حدائق تروى ذاتيًا، إلى جانب الانتشار الضخم للساعات المصممة بحيث يمكن إتاحة نسخ منها لكل من يطلبها. ومع تطور التكنولوجيا، تم ابتكار آلات ميكانيكية غريبة، صممت لمحاكاة الأفعال والحركات البشرية بهدف تسلية جمهور المشاهدين.
وأطلق على تلك الأجهزة «الآلات ذاتية الحركة Automata»، وكان بمقدور تلك الأجهزة أداء أعمال مدهشة ومسلية بدقة وبشكل منتظم.
إن تطور تلك الآلات ذاتية الحركة، يسبق بكثير القرن السابع عشر.
لقد احتوت المخطوطات اليونانية والعربية القديمة وصفًا لآلات ميكانيكية، كما أن للصين أيضا سبقًا فى بناء آلات ذاتية الحركة؛ حيث يعرفنا الأدب الصينى على حيوانات وأسماك ميكانيكية، وعلى آلات ميكانيكية صممت لصب النبيذ، وحمل أكواب الشاى، والغناء، والرقص، والعزف على الآلات الموسيقية.
ولقد شهد القرن السادس فيما عرف فيما بعد بفلسطين، بناء ساعة ضخمة كانت حين تدق تتحرك عدة أشكال ميكانيكية.
ونتيجة لذلك؛ انتشر فن صناعة الآلات ذاتية الحركة فى غالبية أنحاء العالم الإسلامى (Possum ١٩٩٦). ولكن بعد مضى ما يزيد علي ألف عام، حين ابتكر العلماء والمثقفون والصناع المهرة الأوروبيون فى القرن السابع عشر الآلات ذاتية الحركة، اعتبرت تلك الآلات كما لو كانت ابتكارًا أوروبيًا، وانمحت المنجزات الرئيسية لأبناء تلك الحضارات القديمة.
لقد تمثلت أشهر الآلات ذاتية الحركة، والأكثر إثارة وتعقيدا فى البطة التى تخرج فضلاتها ولاعب المزمار. لم يكن لاعب المزمار يصدر أصواتًا مما يمكن أن تصدر عن العديد من اللعب الموسيقية؛ بل كان بالفعل يعزف على آلته.
كان طوله واقفًا يبلغ خمسة أقدام ونصف القدم، وكان كل جزء ميكانيكى من أجزاء تلك الآلة يناظر عضلة أو رباطًا أو غير ذلك من أجزاء الجسم المشتركة فى العزف على المزمار.
ثمة تسع مضخات تضخ كميات من الهواء داخل «صدر» الآلة يتوقف مقدارها على النغمة المطلوبة من بين ١٢ نغمة تمت برمجة الآلة لإصدارها. ويتم دفع الهواء عبر أنبوب واحد «يعادل القصبة الهوائية البشرية» إلى الفم، حيث يتم التحكم فيه بلسان وشفتين معدنيتين قبل دخوله إلى المزمار بما يخلق انطباعًا بأن الآلة تتنفس بالفعل.
الأصابع تنقبض وتنفرج على ثقوب المزمار لتصدر الأصوات المحددة بدقة. لقد أدت كلتا هاتين الآلتين ذاتيتي الحركة إلى «طمس الحدود بين الإنسان والآلة، بين الكائن الحى والكائنات غير الحية» (Wood، ٢٠٠٢، pixie).
إن تلك الآلات ذاتية الحركة يمكن مشاهدتها اليوم فى الميادين المركزية فى العديد من المدن الأوروبية، حيث تتمشى أشكال ميكانيكية فى صورة دائرية، تقوم خلالها بدق الطبول وقرع الأجراس بالمطارق كل ربع ساعة. وفى كاتدرائية ستراسبورج الفرنسية، تنتصب شخصيات توراتية وتنحنى كل ساعة أمام تمثال للسيدة مريم العذراء، بينما يفتح ديك منقاره ويخرج لسانه ويرفرف بأجنحته ويطلق صياحه.
وفى كاتدرائية ويلز بإنجلترا يدور اثنان من الفرسان المدججين بالأسلحة حول بعضهما كما لو كانا يتقاتلان، ومع دقات الساعة معلنة مرور ساعة، يتمكن أحد الفرسان من إسقاط الآخر من على صهوة جواده.
وفى المتحف الوطنى البافارى بمدينة ميونيخ الألمانية، يقيم ببغاء تبلغ قامته ١٦ قدمًا، وكلما دقت الساعة معلنة مرور ساعة، يصفر الببغاء ويرفرف بجناحيه الميكانيكيين ويدير مقلتيه ثم يسقط كرة صغيرة من الصلب من مؤخرته.
وتبين الصورة التركيب الداخلى لكاهن تبلغ قامته ١٦ بوصة، ضمن مجموعة مقتنيات المتحف القومى للتاريخ الأمريكى National Museum of American History فى واشنطن العاصمة، وقد تمت برمجة الكاهن ليتحرك فى مساحة تبلغ قدمين مربعين.
وتبدو قدماه تدقان الأرض من تحته، ولكن الحقيقة هى أنه يتحرك على عجلات. ويقوم الكاهن أثناء ذلك بالضرب على صدره بإحدى ذراعيه، بينما يلوح بذراعه الأخرى، ويهز رأسه ويفتح فمه ويغلقه.
وقد اعتقد علماء وفلاسفة ذلك العصر، أن ذلك النوع من تكنولوجيا الساعات، يمكن أن يحقق حلمهم فى خلق كائن صناعى. وغنى عن البيان أن الآلات ذاتية الحركة فى صورتها الأولى كانت تعطى ذلك المظهر. ونستطيع أن نتصور تلك الآلات كما لو كانت دمى ديزنى المتحركة فى عصرهم، وليس من الصعب أن نفهم لماذا استخلص الناس من ذلك أن الكائنات الحية إنما هى ببساطة نوع من تلك الآلات.