الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا سرّ لي سواك

صفاء النجار تكتب عن:

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأولة: خطونا في شهر شعبان ولا يعنى ذلك أن الدليل قد أرشد القافلة للطريق.. 
يقول تعالى في الحديث القدسى: «ما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَلتَهُ».
■ الثانية بعد الله: كلما رأيت طفلين متحابين.. تذكرتنا.. وأنا التي لا أتخيلنى إلا امرأة عجوزًا تلتحف بشال بنفسجى وتطل من شرفتها على العالم. كلما رأيت طفلين متحابين.. تذكرتنا.. كان أول كارت تهدينى، صورة طفلة صغيرة ترتدى معطفًا ثقيلًا وتقبل طفلًا يحمل لها باقة زهور يخفيها خلف ظهره، دائما ظهرنا للعالم، لا تبدو ملامح وجهينا، حيث لم يكن في الكون سوانا، يدانا متشابكتان والطريق ممتد، طويل... دائما الطريق غير ترابى ممهد، والجو شتاء، حيث الحاجة للقرب والدفء والسند، لا أتصورنا غير غريبين وحيدين، معا فقط.. هل كنت راوى قصتى «مايسة شرف الدين»؟ هل استعرت صوتك؟ «كنا صغارا وكان كل ما هو بعيد لامعًا براقًا».. النجوم فوق كتفه والأزرار النحاسية في بدلته السوداء، والأهم قدرته على أن يسير في الهواء دون أن نلمح ذلك، وإلا لماذا يبقى حذاؤه مرآة لا تشوبها غيوم رغم غبار شوارعنا الضيقة؟ وفشل كل محاولات إخماده ورشّه بالماء. 
ولم يكن هناك شيء يفوق دهشتنا لرؤيته سوى ترقبها كل صباح أمام بوابة المدرسة الصدئة، تنزل من السيارة مرتدية عباءة أبيها وعائلتها الثرية، وتحمل خضرة العينين من الأب وجمال الملامح من الأم، تتابع الشهقات المكتومة من أفواهنا. وترتفع النظرات إلى وجهها وضفيرتها. كل البنات لهن ضفائر تغزلها الأمهات ليلة الجمعة بعد الحمام الأسبوعى، فتوفر عناء التسريح اليومى للشعر، وفى زحمة خروج الأب والأخوات والماشية تكتفى البنات بتمليس الشعر الهائش بالماء والتأكد من أن قطعة الأستك تحافظ على الشكل العام.. لكن ضفيرتها كانت دائما طازجة. ثلاثة صفوف ينتظم فيها الشعر، وتتردد أية شعرة قبل الخروج من مجرى النهر المتموج بين البنى والأصفر وتنتهى برباط من نفس قماش ولون الجونلة الزرقاء. 
لا بد وأنه أنت، فلا يصوت يقارب صوتك «مسحت عيناى كل معالمها.. ضفيرتها.. بلوفرها الصوفى.. شرابها الأبيض، كل شيء لم يتغير، وقبل أن يرمش الجفن، توقفت عند حذائها، لأول مرة كانت مقدمته تحمل لونًا رماديًا عكر مرآته، وربما لغربته عن التراب تعلق به أكثر مما يفعل مع أحذيتنا. 
سنوات مرت وكلما لمحتها تطمئن عيناى عليها سريعًا وتدقق النظر في حذائها، هل ما زال الغبار يلمس مقدمته أم ارتفع إلى الشراب..؟ ولا إراديًا أمسح حذائى بالحذاء الآخر.. وبعد أن أصبحت النجوم على كتفى والأزرار النحاسية تزين بدلتى السوداء، لم يعد كل ما هو بعيد لامعًا براقًا. 
■ الثالثة أول الشكل: ذات مرة وضعت على خلفية صفحتك على فيس بوك صورة لطفلين لولد وبنت في المرحلة الابتدائية، وهو يساعدها ويربط لها حذاءها. فصاحت مريم: ماما هذه أنت وبابا.. ويومًا قال لى طبيبى: أنت سيدة قوية جدا، وعندما التقى بك وتحدث معك، قال لى الآن عرفت سرّك.. والحقيقة أنه لا سرّ لى سواك. 
* الرابعة حيث يستقر العالم: أحيانًا وبين فترة وأخرى تشعر بالحاجة لغلق ملفات مفتوحة في حياتك، تكملة أشياء لم تنهها، إغلاق أبواب مواربة لا تطل منها ولا يكف الهواء بحركتها المترددة عن تذكيرك بها. لذا أنا مدينة بالكتابة عن رجل سمعت اسمه للمرة الأولى من الصديق أحمد الصغير، لم أكن أعرفه وربما لا يعرفه كثيرون، إنه المهندس أحمد عثمان (١٩٠٧- ١٩٧٠) صاحب فكرة تقطيع معبدى أبوسمبل لإنقاذهما ونقلهما إلى مقرهما الجديد تفاديا لغرقهما في قاع بحيرة السد.. بمجرد عودتى القاهرة بحثت عنه ففاجأنى أني كنت أعرف الكثير من أعماله النحتية من قبل، شاهدتها وكثيرون منكم شاهدوها من قبل لكنى لم أكن أعرف الفنان الذي يقف خلفها: النحت البارز لتزيين مدخل حديقة الحيوانات في الجيزة، وكان هذا المبنى من تصميم المهندس المعمارى مصطفى فهمى (١٨٨٦ ـ ١٩٧٢). 
- النقش البارز لتزيين قاعدة تمثال إبراهيم باشا التذكارى في ميدان الأوبرا في القاهرة عام ١٩٤٧.
- نحت واجهة نادي الضباط في الزمالك، ونادي القوات المسلحة في مصر الجديدة. 
- النسر البرونزى فوق مدخل برج القاهرة سنة ١٩٦١.
- كان أحمد عثمان علاوة على ذلك رسامًا ماهرًا، فقد أنجز سلسلة من رسوم العراة الأنثوية والذكرية بالفحم والعديد من الرسوم الشخصية، وهى أنماط أتقنها عندما كان في المدرسة الحرة للرسم العارى. يعكس عثمان في رسومه خلفيته كنحات من خلال إدخاله خطوطًا واضحة وظلالًا على كتل نحتية. يمكن العثور على أعماله في بعض المجموعات الخاصة وفى كل من متحف الفن المصرى والحديث والمتحف الزراعى في القاهرة، وفى متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية كما في متحف: المتحف العربى للفن الحديث في الدوحة.
تميز أسلوب النحت عند أحمد عثمان بتعدد روافده الثقافية والفنية فكانت أعماله الأولى تماثل الخصائص الإيطالية الكلاسيكية، باشر في نهاية الثلاثينيات نحت سلسلة من التماثيل البرونزية النصفية التي تجسّد الفلاحات المصريات. تتميّز هذه التماثيل بواقعيتها من ناحية تصوير ملامح الفلاحات ونشاطات الحياة الريفية اليومية، فهى تجسّد بساطة وبهجة الحياة في الريف التي عبّر عنها غالبًا من خلال ابتسامات تماثيل الفلاحات. تعبيرًا عن الحياة الشعبية في الريف المصرى، حيث تميزت بتعبيرات الوجوه البسيطة والعضوية التي تستوحى الفن المصرى القديم، ولكن في واقعية ودون تكلف، كما تتميز أعماله بتماسك الكتلة والبعد عن الفراغات، فالكتل متماسكة والخطوط انسيابية.. وأغلب أعمال أحمد عثمان النحتية تعالج قضايا قومية أو اجتماعية أو تذكارية وكان أحمد عثمان يتمتع بروح طموحة وإيمان بأن ممارسة الفن التشكيلى وبخاصة النحت يمكن أن تكون وسيلة علاجية لكثير من أنواع الانحرافات، فوضع برنامجًا لنزلاء ليمان طره لنحت الأحجار الصلبة وتخرجوا فنانين.
كان عطاء أحمد عثمان عميقًا وممتدًا لأجيال. فهو مؤسس كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، ساهمت مكتبة الكلية والتي أضيفت إليها مكتبة موسيقية في نشر الوعى الفنى والثقافى وخاصة بعد إنشاء قسم حر ليلى لهواة الفن التشكيلى. 
■ خامسا حيث لا بد من العودة للبدء: «اللهم إنى أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنى إلى حبك، اللهم أرزقنى مما أحب فاجعله قوة لى فيما تحب، وما زويت عنى مما أحب فاجعله فراغًا لى فيما تحب، اللهم اجعل حبك أحبّ إليّ من أهلي ومالى ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببنى إلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم اجعلنى أحبك بقلبى كله وأرضيك بجهدى كله، اللهم اجعل حبى كله لك، وسعيى كله من مرضاتك».