رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"سأكتب لا شيء يثبت أني أحبك غير الكتابة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«سأكتب لا شيء يثبت أنى أحبك غير الكتابة» كما يقول درويش لصديقه الرائع سميح القاسم. فالكتابة هى دليل الحُب الوحيد. الحُب للوطن، الحُب للخير، الحُب للناس، الحُب للتقدم والتنمية. لا قصص الحُب خلدت إلا لأن أبطالها كتبوها، ولا حضارات القدماء وصلتنا إلا لأن هناك من دونها فى البرديات، ونقشها على المعابد. 
أقول ذلك وأنا أستغرب ردة المجتمع والدولة، وكثير من المسئولين ضد نقابة الصحفيين وضد مهنة الصحافة، وضد كُل من يكتب. فجأة صار الجورنالجية شرار البشر، وصناع الفتن، وحملة معاول الهدم، والعثرة الوحيدة فى سبيل التنمية. فجأة اكتشفت السُلطة أننا أصحاب مصالح ضيقة، ومنتفعون، ومشعلون للحرائق. 
لقد انقلبت الأزمة مع نقابة الصحفيين إلى أزمة ضد الحرية. خرج مَن حرّض ضد الكلمة، وأطلّ مَن أطلق أوصاف الخيانة على حملة الأقلام، مُتناسين وقفة الكُتاب والمفكرين والمثقفين مع الدولة المصرية ضد الرجعية المتأسلمة قبل ثلاثة أعوام. لقد كان بعض المفكرين وأصحاب الرأى مستهدفين من عصابات التأسلم لأنهم قالوا «لا»، وكان البعض ممنوعا من الكتابة فى الصحف القومية لأنه لا ينطق «آمين»، وتم جرجرة البعض تحت دعاوى الحسبة لأنهم رفضوا الانصياع للمرشد العام. كانت الأجواء مُلتهبة، وكان المصريون جبهة موحدة ضد القبح والظلم والأحادية، ووقتها كانت الكلمة حُرية، والصحافة مهنة عظيمة. 
الآن تُسن السكاكين ويُستعدى المجتمع ضد أصحاب الرأى والمثقفين. لِم؟ مَن الذى أوحى للسلطة أن ذلك يساهم فى تحقيق التنمية؟، وكيف ترضى الدولة عن وطن بلا حرية تعبير؟، وهل يتصور إنسان أنه يمكن تحقيق التقدم إلى الأمام وهُناك من ينادى بتكميم الأفواه؟. 
لقد كتب أحد الساسة البريطانيين فى القرن الثامن عشر خطابا لرئيس الوزراء عندما كان يُعد لقانون يحد من حرية الصحافة قال فيه: «يمكن أن تنشئ دولة ضعيفة وتصنع برلمانا فاسدا، وتختار أميرا جشعا وتصنع قواعد وتشريعات ضعيفة، لكن أعطنى صحافة حرة، وأنا أصلح لك كل ذلك».
لا الأغنياء يمكنهم حكم العالم بذهبهم، ولا الطغاة قادرين على تسيير البشرية بظلمهم. إن الكلمة المضيئة أعظم وأبقى وأقوى من صولجانات وعساكر وميكروفونات المستبدين والمتسلطين على الشعوب.
المجد للكلمة. رمز النقاء، وروح التحدى، وأداة المقاومة للقبح. 
والله أعلى وأعلم.