رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أم الحريات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعجز عن الكتابة منذ أيام.. أسوأ ما يفعله أعداء حرية التعبير ليس تشويه سمعتك أو حبسك أو قتلك، ولكن إصابتك بالقرف واليأس من جدوى الكتابة ومحاولات الإصلاح.
حالة القرف من الكتابة أصابتنى عقب عودتى من مهرجان الإسماعيلية السينمائي، حيث قضيت أيامًا أشاهد عشرات الأفلام من كل بلاد العالم، تضج مشاهدها بالحيوية والحرية، لا تترك موضوعًا ولا قضية ولا مسكوت ًاعنه دون أن تتطرق إليه وتقتحم أسوار الصمت والتجاهل والإخفاء التى تفرض على أى حقيقة تزعج أهل السلطة والثروة والنفوذ.
أسرار حديثة جدا مثل ظاهرة اغتصاب النساء الجماعى من قبل جنود وضباط الأطراف المتحاربة فى إفريقيا فى الفيلم المفزع والمؤلم «الرجل الذى يداوى النساء» للمخرج تيرى ميشيل، والذى أصابنى بإزعاج مضاعف بسبب موقف الخارجية المصرية المخجل فى مجلس الأمن، حيث كانت مصر هى الدولة الوحيدة التى اعترضت على قرار معاقبة أى جيش يتورط جنوده وضباطه فى اغتصاب النساء.
أسرار قديمة جدا مثل اغتيال الزعيم اللبنانى التقدمى، كمال جنبلاط، فى الفيلم الذى أخرجه هادى زكاك، ويحمل عنوان «كمال جنبلاط.. الشاهد والشهادة»، والذى أصابنى بالدهشة والحسرة معا. الدهشة من وجود مثل هذا الرجل العظيم فى عالمنا العربي، والحسرة على عالمنا العربى الذى لم يحتمل وجوده ولم يحتمل الديمقراطية ولو لفترة قليلة فى بلد صغير وغنى ورائع مثل لبنان، دمر نفسه بنفسه فى حرب أهلية استمرت لأكثر من خمسة عشر عامًا، ويا ليت الأجيال الجديدة تعلمت من التاريخ والتجربة المؤلمة، ولكنها للأسف تعيد إنتاج التخلف بنفس الحماقة والحماسة.
عدت من الإسماعيلية لأجد أن التخلف لا يتوقف عن التكاثر مثل الفطريات، وأنه لا الأفلام ولا الثقافة ولا الصحافة يمكنها أن تفعل شيئًا فى مواجهة القوة الغاشمة للجهل.
لأيام كرهت التطلع إلى «الكى بورد»، أفكر فى مشروع شراء عربة فول أو تأجير محل لبيع الملابس الداخلية أعمل به بدلًا من الصحافة والكتابة.. وفجأة لمعت فى ذهنى الفكرة التالية: آها.. لقد وقعت فى الفخ يا معلم.. هذا هو بالتحديد والضبط والإحضار ما يريدون أن تصل إليه.. التشويه والتضييق والاقتحام والاعتقال كلها وسائل للتخويف والـ«تزهيق» والـ«تقريف». كل ما يحلمون به هو أن تصل إلى هذه الحالة.
تذكرت الأفلام مرة أخرى: من قال إن صنع الأفلام والكتابة لا فائدة منهما؟ من قال إن حرية التعبير ليست مهمة. 
انظر حولك وسوف تكتشف حقيقة بسيطة مدهشة: حرية التعبير هى أم الحريات. لأنه ببساطة شديدة لا يمكن أن تتحدث عن أى حقوق أخرى للإنسان، من الحق فى الحياة إلى الحق فى العيش بكرامة إلى الحق فى محاربة الفساد إلى الحق فى المساواة وارساء العدالة إلى الحق فى التعليم والحق فى الحب والحق فى العمل.. حتى الحق فى الرد على شتائم أمناء الشرطة.. لن يمكنك التحدث عن أى حق فى الوجود إذا لم يكن مسموحًا لك أن تتكلم أصلًا.
هل فهمت؟!