الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصحفيون أيضًا يضحون بحياتهم من أجل الوطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان يومًا مشهودًا، يرفع رأس مصر كلها وليس أبناء صاحبة الجلالة فقط، عندما توجه الصحفيون إلى مقر نقابتهم بشارع عبدالخالق ثروت للدفاع عنها، بعد أن اقتحمتها قوة من الداخلية، وللدفاع عن مهنتهم التى تحاصر من كل الجهات، وللحفاظ على كرامتهم التى شعروا أنها انتهكت، 
يوم الأربعاء الرابع من مايو عام ٢٠١٦، سيكتب فى تاريخ الصحافة المصرية بأحرف من نور، نفتخر به معشر الصحفيين، وتفتخر به الأجيال الصحفية القادمة، كانت الأعداد غفيرة، وتزيد بين الحين والآخر، رغم حصار قوات الشرطة لكل الشوارع المؤدية للنقابة، والحصار لم يكن برجال الشرطة فقط، بل كان أيضا بمن يطلق عليهم «المواطنون الشرفاء» الذين كانوا يتحرشون بالصحفيين، أثناء دخولهم وخروجهم من محيط النقابة بألفاظ وإشارات قبيحة للغاية، وللأسف كان يقف هؤلاء فى صف واحد مع رجال الأمن، كتفًا فى كتف، فى إساءة بالغة لرجال الشرطة، وكان أولى بهم أن يرفضوا هم ذلك، لكن هذا كله لم يخف الصحفيين، ولم يتراجعوا وواصلوا كفاحهم ونضالهم من أجل مهنتهم، بل إن هذا الحصار القبيح زادهم قوة وإصرارا وعنادا، وعقدت الجمعية العمومية بنجاح كبير واتخذت قراراتها. 
أعرف أن هناك من يرد بأن الشرطة تضحى من أجل الوطن، صحيح طبعا هذا يحدث ولا أحد يستطيع إنكاره، ولشهدائها الأبرار كل التقدير والاعتزاز، ولكن هذا لا يبرر القمع وانتهاك القانون والفساد وإهانة المواطنين. وإذا كان رجال الشرطة يضحون من أجل الوطن بحكم طبيعة مهنتهم، فإن الصحفيين أيضا يضحون من أجل الوطن بحكم مهنتهم وضمائرهم. 
معرضون دائما لخطر الإصابة والموت والحبس والاعتقال، ومع ذلك ينتصرون للحق، وعلى استعداد دائم للتضحية، جدران نقابة الصحفيين المطلة على شارع «عبدالخالق ثروت» تستعرض صور الصحفيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن. 
الحسينى أبوضيف، ضحى بحياته وهو فى عز شبابه من أجل الوطن، كان «الحسينى» مستهدفا من جماعة الإخوان المسلمين، بسبب هجومه الدائم على الرئيس المعزول «مرسى» وجماعته، وكشفه لفسادهم وجرائمهم، وكان يعرف ذلك جيدا، ومع هذا عندما هجم الإخوان على اعتصام الثوار الرافضين للإعلان الدستورى فى «الاتحادية» بالأسلحة النارية والبيضاء، ذهب إلى هناك والتقط صورا وفيديوهات ترصد وتؤكد قتل الإخوان للثوار، وفى نفس الليلة انتقم منه الإخوان وقتلوه برصاصة محرمة دوليًا فى الرأس، وسرقوا الكاميرا التى كانت معلقة برقبته، ليقع شهيدا ضحى بروحه من أجل الوطن كله، وكان أول مسمار فى نعش الإخوان هو قتل الحسينى أبوضيف. 
ميادة أشرف، الصحفية الشابة التى ذهبت وسط معركة دائرة فى منطقة «عين شمس»، بين جماعة الإخوان من جهة والأهالى والشرطة من جهة أخرى، ووقفت وسط المعركة ترصد وتغطى ما يحدث بمنتهى الشجاعة، رغم أنها كان عمرها ٢٣ سنة أى فى بداية حياتها ومستقبلها، ورغم أن المعركة كانت قوية وطلقات الرصاص لا تتوقف، إلا أنها استمرت تمارس عملها فى تغطية الحدث حتى أطلقت عليها النيران، ووقعت ميادة شهيدة فداء للوطن. 
أحمد محمود، الذى كان يغطى أحداث ثورة يناير المجيدة واستشهد بعد أن أطلق عليه الرصاص فى محيط «وزارة الداخلية» تاركا خلفه زوجة وأبناء. 
تامر عبدالرؤوف، الذى استشهد أثناء حظر التجول الذى فرض بعد فض اعتصامي «رابعة والنهضة» وهو يؤدى عمله فى تغطية الأحداث. 
وهذا طبعا على سبيل المثال وليس الحصر، ولو بعدنا عن مصر قليلا نجد مئات المراسلين والصحفيين الذين يقتلون، وهم يقومون بتغطية الحروب فى المناطق الملتهبة فى العالم، مثل العراق وسوريا وأفغانستان، صحيح أن عدد الصحفيين الذين ضحوا بحياتهم وهم يمارسون عملهم لا يقارن بعدد رجال الشرطة الذين يضحون بحياتهم، لسبب بسيط وهو أن رجال الشرطة هذا واجبهم ودورهم ولذلك يحملون الأسلحة باستمرار، ولكن الصحفيين ليس هذا دورهم، ولذلك لا يحملون سوى القلم والكاميرا، ومع ذلك يقتلون ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فى أى معركة، غير التعرض للانتقام والبطش من الفاسدين الذين يكشفون فسادهم، وللسجن أحيانا كثيرة عندما يكتبون آراءهم، 
نحن أيضا نضحى بحياتنا ونهدى الوطن أرواحنا، هى المهنة الرائعة التى يدمنها كل من يعمل بها رغم أنها مهنة البحث عن المتاعب، بل هى المتاعب بعينها، ولكن الصحفيين لا يتاجرون بدمائهم، لا أحد يعلم شيئا عن أسر شهداء الصحفيين، ولم يأخذوا تعويضات مثلا. 
كتبت أكثر من مرة عن أن الأزمات السياسية الكبيرة التى تمر على مصر من حين لآخر، سببها عدم وجود مستشار سياسى داخل دائرة الحكم، فى خضم أزمة ريجينى دخلنا فى أزمة جزر تيران وصنافير، وأثناء الأزمة، اشتعلت أزمة اقتحام نقابة الصحفيين، وفى الغالب الدولة بصدد أزمات جديدة، لأنه للأسف لا يوجد بينكم رجل رشيد.