الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بالفيديو والصور.. "البوابة نيوز" في أرض الألغام "2".. زرعتها إيطاليا في الحرب العالمية الثانية .. والآن ترفع "قميص ريجيني" وتتناسى قتل آلاف المصريين.. ومصابو مطروح: هناك من يتاجر بآلامنا

ملف انتهاكات ايطاليا
ملف انتهاكات ايطاليا "2"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أقامت إيطاليا الدنيا ولم تقعدها بعد مقتل الشاب الإيطالي "جوليو ريجينى" بمصر في 25 يناير الماضي، وشكك ساسة ووسائل إعلام إيطالية بقوة في ادعاء السلطات المصرية أن "عصابة" خطفته، ثم قتلته، ووجهت الاتهام للأجهزة الأمنية بقتله، واعتبرتها المسئول الأول والأخير عن الحادثة، وتناست السلطات الإيطالية أنها تسببت في مقتل وإصابة عشرات الآلاف نتيجة قيامها بزرع الألغام في الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية، ولم تكتفِ إيطاليا بتجاهلها لمقتل هؤلاء الأبرياء خلال الحرب العالمية الثانية، ولكنها قامت بتجاهل مقتل الطالب المصري محمد باهر صبحي الذي تُوفي في مدينة "نابولي" الإيطالية الثلاثاء الماضي.

"البوابة نيوز" كانت قد فتحت ملف الانتهاكات لفضح سجل الدم لـ"الطليان" تجاه المصريين، خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي تسببت في قتل وإصابة الآلاف من خلال زرعها كافة أراضي الصحراء الغربية بالألغام، وتحويل الصحراء إلى حقول الغام، حيث تناولت في الحلقة الأولى الأضرار التي وقعت لمدينتي مرسى مطروح والعلمين بسبب زراعة الألغام في أكثر من23 مليون فدان مما أسفر إلى عدم استغلالهم في تطوير وتنمية البلاد صناعيًا وزراعيًا.
وفي الحلقة الثانية التقت "البوابة نيوز" بمصابي ألغام مطروح ومخلفات الحرب العالمية الثانية، والتي قام بزرعها بالصحراء الغربية الإيطاليون والألمان، والذين حدثونا عن معاناتهم مع إهمال الدولة لهم وتركهم يتألمون من قلة تمكنهم من توفير أبسط احتياجاتهم، والعيش حياة كريمة مثلهم مثل غيرهم، لافتين إلى قيام بعض الجمعيات والسياسيين بالمتاجرة بآلامهم دون علمهم.
"كان عندي 11 سنة وقت ما انفجر فيه اللغم، كنت بلعب مع أصحابي جنب سوق ليبيا، لقيت حاجة قدامى طالعة من الأرض، وأما مسكتها انفجرت فيَّ وطيرت عيني"، هكذا بدأ عادل فرج صالح، أحد مصابي الألغام في مدينة مطروح، وموظف بمحافظة مرسى مطروح حديثه معنا، مشيرًا إلى أنه ظل عامين لا يرى شيئًا بعينه،  وذهب لكافه المستشفيات من مطروح إلى الإسكندرية حتى يستطيع أن يرى مرة أخرى ولكن دون فائدة.
وتابع "فرج": إننا ذهبنا للكثيرين في الدولة لمساعدتنا في مصاريف الجراحات التي أجريتها في عيني أو العلاج، ولكن دون فائدة، فكل ما وجدناه هو وعود كاذبة فقط لا غير، مشيرًا إلى أنهم سمعوا بأنهم سيحصلون على تعويضات، ولكن لم يتلقوا شيئًا حتى الآن، موضحًا أنه ليس الوحيد الذي يعانى من إهمال الدولة له فيوجد الآلاف غيره يعانون نفس المعاناة، ولا يستطيعون توفير احتياجاتهم، قائلا: "مش أنا الوحيد الذي تمت إصابته من الألغام في غيري كتير مش لاقين ياكلوا ومحدش بيدور علينا والمحافظ ما بيعبرناش".


وأضاف أننا ذهبنا كثيرًا لمحافظ مطروح لعرض مشاكلنا عليه، لكننا مُنعنا من مقابلته، رغم أنه من المفترض أن يكون دوره هو خدمة المواطنين، مشيرًا إلى أنهم وجدوا الكثير من الجمعيات والأشخاص يقومون بالمتاجرة بمشاكلهم دون علمهم أو الرجوع إليهم، ويأخذون مبالغ مالية بأسمائهم دون معرفتهم.
والأمر ذاته أكده، ناجى على عبدالرحمن مدرس لغة عربية، ومن أهالي مدينة مرسى مطروح، مضيفًا أن أحد أقربائي توفي بحادث  انفجار لغم، وترك وراءه زوجة و4 أطفال يقوم أخوه بإعالتهم، مشيرًا إلى أن كل ما فعلته الحكومة لم تعطهم أي تعويض ليوفر لهم احتياجاتهم بعد فقدان رب أسرتهم وعائلهم الوحيد، فكل ما قاموا به هو إعطاء زوجته معاشًا شهريًا يقدر بـ450 جنيهًا  لا يكفى لشراء لبن أطفال.
وطالب عبدالرحمن بإزالة الألغام، وخاصة المختفية تحت الأرض؛ لأنها تُعرِّض حياتهم وحياة أطفالهم للخطر لأنهم لا يعلمون أن الأرض يوجد بها ألغام، ولا يستطيعون رؤيتها.

وأضاف جبريل عبدالقادر، أحد مصابي الغام مطروح، "كنت أعمل راعي غنم ومتزوج من امرأتين، وليس لدى أطفال، وأبناء أختى هم من يقومون بإعالتي، لعدم تمكني من إعالة نفسي بسبب بتر ساقي الذي قطعت نتيجة انفجار لغم بها أثناء قيامي بإشعال النيران لطهى غذائي في أحد الأراضي، خلال قيامي برعي غنمي"، مشيرًا إلى أنه ذهب إلى المستشفى، وتم بتر قدمه، ولم يقم أحد بتعويضه من الحكومة، فكل ما فعلوه هو صرف معاش شهري 450 جنيهًا لا يستطيع شراء دوائه منهم.
وروى لنا أيضًا، سالم مطاوع، أحد مصابي الألغام، قائلا:" لقد خضت حربين؛ حرب الاستنزاف، وحرب 73، وحسبت من ضمن المحاربين القدماء، وعقب انتهاء حرب أكتوبر، قمت العمل على سيارة لنقل البضائع، وفى رمضان عام 74 قمت بالذهاب لنقل البضائع، وخلال سيري في الصحراء فوجئت بانفجار اللغم، وتمت إصابتي خلالها ببتر في الساق الأيسر، لافتًا إلى أنه لم يعلم بأن هذه الأراضي بها ألغام؛ لأن اللغم مختفٍ بداخلها، ولا توجد أي إشارات أو لافتات تخبرنا بأن نحظر السير في هذه المنطقة لأنها ملغومة.

وتابع: منذ إصابتي ببتر يدى وأنا أعانى الأمرَّين، فلم أستطع العمل بشكل طبيعي مثل غيري، فمن سيقوم بتوظيف أو تشغيل شخص بيد واحدة؟! وظللت أعانى سنوات كثيرة في البحث عن عمل لإعالة أسرتي، ولكن دون فائدة، إلى أن وجدت وظيفه غفير في أحد المزارع، موضحًا بأنة لم يتلقيا أي تعويضات من الحكومة، وليس لديه غير راتبه الضعيف الذي يتعايش به هو وأسرته الذي لا يكفي " عيش حاف"، مطالبًا من الحكومة أن تقدر ظروفه، قائلا: "عمري كله راح فطيس، ومن وقتها ومش عارف آكل أنا وعيالي، وتوظيف أولادي عشان نعرف نعيش"، مشددًا أيضًا على إزالة الألغام التي تسببت في ضياع مستقبل أسرته ومصابين كثر.
وأضافت آمال سالم، ابنة سالم مطاوع: والدتي توفيت ونحن صغار ومن حينها وأختي الكبيرة التي تقوم براعيتنا، ومنذ إصابة والدي ببتر يده بسبب الألغام وجدي هو من يقوم بإعالتنا، وعقب وفاة والدى عانينا الآمرين حتى تمكن أخي الكبير من إيجاد عمل لإعالتنا، وبعد أن تزوج أخي، وانفصل عنا، قام أبي بالعمل كغفير لأحد المزارع، مؤكدة إلى أنهم لم يتلقوا أي تعويضات على إصابة والدهم ولم يقم أحد من الحكومة بالسؤال عنهم أو الاهتمام بمشاكلهم ومساعدتهم.

واتفق معهم عبدالله عبدالله صالح، الأمين القائم بعمل صندوق جمعية ضحايا ألغام مطروح وعضو مركز الاتحاد لحقوق الإنسان، وأحد مصابي الألغام، قائلا: "يوجد في الصحراء الغربية أكثر من 22 مليون لغم والقوات المسلحة طهرت 3 ملايين، ويتواجد الآن 17 مليونًا 600 ألف لغم على مساحة مطروح يعنى ما يقارب 4 قنابل نووية، والألغام في مطروح والعلمين، مضيفا: "أنا مثلى مثل أي ضحية فتمت إصابتى في 2007 ونتيجة الإصابة كانت بترًا في ساعد اليد اليمنى مع إصابة في العين اليمنى، وظللت عامين حتى أستعيد قواى وذاكرتى لكى أمارس حياتى مرة أخرى"، مشيرًا إلى أنه ربُّ أسرة، ويعمل حارسًا بسوق ليبيا لكى يتمكن من إعالة أسرتة.
وأوضح صالح أنه كان يحلم أن يتخرج من كلية الحقوق، ويدافع عن الناس، ويعيد لهم حقوقهم، ولكن ما تعرض له من إصابات بسبب الألغام غير مجرى حياته بشكل كامل، ولم يتمكن من استكمال تعليمه، مضيفًا قائلا: "بداخلى جرح كبير لهدم أحلامى التي قضت عليها الألغام، إضافة إلى نظرة أبنائي إلي وبكائهم على منظري، فهم رغم صغرهم فهم يشعرون بكل ما أعانى منه من أوجاع، مع معاملة المجتمع السيئة لنا فهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع ذوى الإعاقة،  فهم يعاملون نفس معاملة الشخص السليم وقد تصل إلى السب والضرب.

وتابع "صالح" أن كل ما نتمناه هو حياة أفضل لضحايا الألغام، فبيوتهم مكشوفة،  وعايشين في الخلا، وعندهم أولاد لا يستطيعون الزواج أو العيش حياة كريمة، مطالبًا الدولة أن تقدرهم مثلما تفعل مع غيرهم، وتطهير الأراضي من الألغام التي أودت بحياة وإصابة الآلاف، مع إعطائنا تلك الأراضي لكى نقوم باستصلاحها، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء في العام الماضي أصدر قرارًا بإعطائهم 3500 فدان حق انتفاع لكل ضحية من ضحايا الألغام، ولكن وزارة الري رفضت إعطاءهم إياها، وتسليمهم الأرض، مؤكدًا أنهم عندما طالبوا المحافظة بتطهير الألغام ردوا عليهم قائلين: "تطهيرها مُكلِّف".