الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

أوغلو يطالب حزب العدالة والتنمية بانتخاب رئيس له احتجاجا على تدخلات ارودغان

 رئيس الوزراء أحمد
رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلنت مصادر مقربة من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو اليوم عن قراره بالاستقالة، جاء ذلك بعد الاجتماع الأسبوعي الذي عقد هذا المساء بين رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو ،واستمر ساعة وأربعين دقيقة، والذي تم تقديمه يومًا هذا الأسبوع إذ جرت العادة أن يتم اللقاء أيام الخميس، مما فتح المجال لتساؤلات كثيرة.
من المؤكد أن سبب تقديم اللقاء يعود إلى رغبة كل منهما في تطويق الأمر كيلا يتحول إلى أزمة سياسية تؤذي مسيرة الحزب، وتضر باقتصاد تركيا الذي يمر بمرحلة حرجة حساسة، ورغم ذلك فقد أدت أحداث هذا اليوم إلى هبوط حاد في سعر صرف الليرة التركية حيث بلغ نسبة تقارب 6% ستة بالمائة.
ما هي أبرز نقاط الخلاف الرئيسية بين أردوغان وداوود أوغلو ؟ وما هي أسباب الاستقالة ؟
يمكن إجمال نقاط الخلاف في أربعة عناوين رئيسية هي:
أولا: التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي:
من لدن تحولها إلى التعددية الحزبية عانت الحياة السياسية في تركيا من أمراض مزمنة سببها تدخل أطراف وقوى خارجة عنها، وقد مثلت الانقلابات العسكرية - التي أضحت شبه دورية تتكرر كل عقد من الزمان - نتيجة حتمية لتلك الحالة المرضية التي حالت دون نمو الديمقراطية ونضوجها.
وقد اعتبر الرئيس الراحل تورغوت أوزال – وكثيرون غيره - أن النظام البرلماني يفتح الباب على مصراعيه أمام تدخل القوى الداخلية والخارجية في الحياة السياسية، لذلك نادي بضرورة التحول للنظام الرئاسي أو نصف الرئاسي، وعمل من أجل ذلك، لكن ظروفه لم تمكنه من تحقيقه.
بعد أن حقق الطيب أردوغان نجاحاته المتتالية، وضع نصب عينيه مشروع التحول إلى النظام الرئاسي الذي يؤسس للاستقرار، ويغلق الباب في وجه تدخل القوى من خارج المؤسسة السياسية، ويقطع الطريق على مهندسي السياسة من بقايا الدولة العميقة.
وعند بحثه عمن يخلفه في قيادة الحزب، كان شرط أردوغان الأول هو التحول إلى النظام الرئاسي، والشرط الآخر هو مكافحة الكيان الموازي. هذا الشرطان اللذان رفض عبد الله جول قبولهما، وافق أحمد داوود أوغلو عليهما، ومن ثم قام أردوغان باختياره خلفًا له.
لكن داوود أوغلو فيما بعد لم يبد حماسًا كبيرًا لمشروع التحول إلى النظام الرئاسي، ولم يقم بما يجب من أجل تسويقه، وإقناع المواطن بمزاياه، كما أنه لم يجعله في سلم الأولويات، بل تركه بانتظار ظروف سياسية أكثر ملائمة.
ثانيا: الصراع مع جماعة فتح الله كولن /الكيان الموازي:
شكل تشبث أردوغان وإصراره على تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي محور الصدام مع جماعة فتح الله كولن، التي نجحت في النفوذ داخل مؤسسات الحكم، وسعت إلى الاستحواذ على الدولة التركية ليس من خلال العمل السياسي بأساليبه المعروفة، بل عن طريق الهندسة السياسية الخفية، التي تمسك بيدها خيوط اللعبة دون أن تمارس السياسة !.
ولأن النظام البرلماني أشد ملاءمة لنشاطها قياسًا بالنظام الرئاسي الذي يحد من قابليتها على الحركة، ويشكل خطرا على مستقبلها، فقد انقلبت جماعة كولن على الشراكة الإستراتيجية مع حزب العدالة والتنمية التي استمرت قرابة تسع سنوات، فشكلت تحالفًا مع قوى المعارضة من بقايا الدولة العميقة، لتصبح رأس الحربة في الحرب على أردوغان، حيث قامت بتاريخ 17 و25 ديسمبر عام 2013 بمحاولة انقلابية ضده بواسطة أذرعها الممتدة في سلك القضاء والشرطة.
لكن أردوغان بعد أن امتص الصدمة الأولى، شرع في حرب تصفية وتكسير عظام ضد هذه الجماعة، بعد أن أدرجها في وثيقة الأمن الوطني كمنظمة إرهابية.
وأثناء بحثه عمن يخلفه في قيادة الحزب، كانت مكافحة جماعة كولن التي أطلق عليها اسم الكيان الموازي في مقدمة الشروط التي اشترطها أردوغان على خليفته، والذي وافق عليه أحمد داوود أوغلو، بينما رفضه الآخرون كما أسلفنا سابقًا.
لكن المقربين من أردوغان بدءوا يشتكون من تراخي داوود أوغلو، وتقاعسه وفتوره في مكافحة الكيان الموازي، الأمر الذي أغضب أردوغان.
ثالثا: قيادة الحزب:
يسعى أردوغان للإمساك بزمام الأمور داخل الحزب الذي أسسه بنفسه، واضعًا في الحسبان عاقبة حزب الوطن الأم، حيث سرعان ما أفلتت خيوطه من يد مؤسسه المرحوم تورغوت أوزال بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية، ثم ضعف الحزب واضمحل مع مرور الزمان.
لذلك عمد أردوغان للإمساك بخيوط الحزب بيده رغم جميع الانتقادات، لذلك شاهدنا نوعا من صراع اللوائح بين أردوغان وداوود أوغلو، حيث كان 70% من مرشحي نواب البرلمان لانتخابات السابع من حزيران 2016 من اختيار أردوغان بينما حصل العكس تقريبًا في الانتخابات التي تلتها، مما شكل حالة تنافس واستقطاب بين مؤيدي كل من الزعيمين.
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت عملية سحب صلاحية تعيين رؤساء فروع الحزب في المحافظات من يد رئيس الحزب، من خلال التعديل الذي أقرته الهيئة المركزية لقيادة الحزب في اجتماعها الأخير، الأمر الذي اعتبره داوود أوغلو انقلابًا ضده، فكان من الطبيعي والمتوقع أن يقدم استقالته.
رابعا:الثنائية في إدارة الدولة:
يعطي الدستور الحالي رئاسة السلطة التنفيذية لرئيس الوزراء، لكنه يمنح رئيس الجمهورية صلاحية مراقبة أعمال الحكومة، والتصديق على قوانين السلطة التشريعية الممثلة بالبرلمان. أي أن صلاحية الرئيس رقابية من جهة، لكنها واسعة جدا من جهة أخرى، حيث بإمكان الرئيس تعطيل ما يروق له من قوانين وقرارات، كما حدث مع الرئيس نجدت سيزر الذي أعاد للبرلمان أكثر من ثلاثة ألفي قانون خلال فترة رئاسته.
على الدوام شكلت صلاحيات رئيس الجمهورية محل نقاش، وعامل تجاذب بينه وبين الحكومة.. رأينا ذلك في العلاقة بين الرئيس سليمان ديميريل ورئيسة الوزراء تانسو جيلار، ونجدت سيزر والطيب أردوغان، وربما كان الرئيس عبد الله جول حالة فريدة في أدائه المتميز، الذي كان متوافقًا وموائمًا وداعمًا ومكملًا لدور الحكومة، وخصوصا في ميدان السياسة الخارجية.
الرئيس رجب طيب أردوغان له خصوصيته، من حيث كونه أول رئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب مباشرة، وعلى هذا يستند في جميع تصرفاته وإجراءاته، ويتصرف وكأنه في نظام رئاسي.
هذه الحالة شكلت ازدواجية وثنائية في إدارة الدولة، فهناك الرئاسة التي استقطبت كوادر رئيسية، وبدأت تقوم بممارسة أعمال وصلاحيات السلطة التنفيذية، وهناك الحكومة ورئاسة الوزراء المنوط بها إدارة شئون البلاد وفق دستور البلاد البرلماني الحالي.
الحق يقال فقد أبدى رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو قدرًا كبيرًا من الحكمة والصبر، واستطاع تسيير أمور الحكومة والدولة دون أي مشاكل تذكر، مفسحًا المجال لرئيس الجمهورية أن يأخذ مجاله ومداه في القيادة والإدارة، لكن رغم ذلك فإن الثنائية في إدارة الدولة لا بد وأن تفرز آثارًا سلبية.
ما هي طبيعة المرحلة المقبلة ؟
بعد قرار قيادة حزب العدالة والتنمية عقد مؤتمر استثنائي خلال الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن يتم انعقاده في 21 مايو/ أيار الجاري، أو الأسبوع الذي يليه، على ألا يتأخر عن 6 يونيو/ حزيران المقبل الذي قد يصادف أول أيام شهر رمضان المبارك.
سيتم خلال المؤتمر الاستثنائي العام انتخاب رئيس جديد لحزب العدالة والتنمية، بعد أن بات من شبه المؤكد ألا يقوم داوود أوغلو بالترشح للمرحلة المقبلة، فيما ذكرت مصادر في رئاسة الوزراء أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يعتزم تقديم استقالته اليوم الخميس في مؤتمر صحفي سيعقده بهذا الخصوص.
بعد أن يتم انتخاب رئيس جديد للحزب سيقوم رئيس الجمهورية بتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، تعرض على البرلمان لنيل الثقة، ثم تبدأ في ممارسة أعمالها بعد ذلك.
من هم أقوى المرشحين ؟
أعتقد أن الرئيس أردوغان لديه ثلاثة شروط أساسية يجب توفرها في الرئيس الجديد للحزب والحكومة:
الأول: أن يقبل العمل تحت جناح رئيس الجمهورية، على طريقة يلدرم أكبولوت أيام المرحوم أوزال.
الثاني: أن يركز جهده على إقرار الدستور الجديد، الذي يؤمن الانتقال إلى النظام الجمهوري قبل حلول عام 2019 حيث استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة.
الثالث: ألا يتهاون في تصفية الكيان الموازي، لأنها حرب وجود مصيرية.
تشير كواليس حزب العدالة والتنمية إلى ارتفاع حظوظ كل من "نعمان كورتلمش" نائب رئيس الوزراء الناطق باسم الحكومة، و"بن على يلدرم" وزير الاتصالات، وهناك من يتلفظ اسم وزير العدال "بكير بوظ داغ ".
لكن بالنظر للشروط أعلاه فإن المرشح الأقوى هو "بن على يلدرم" أحد أهم المرقبين للرئيس أردوغان منذ رئاسته لبلدية استانبول.
ماذا بعد ؟
ما من شك بأن هناك قوى كثيرة داخل تركيا وخارجها تعول على حدوث انقسام وانشقاق في صفوف حزب العدالة والتنمية، وغير قليل من هؤلاء سيسعى لذلك بكل ما أوتى من قوة وجهد وإمكانات. لكن الكتلة الشعبية الصلبة التي تصطف خلف أردوغان مهما كانت الأحوال والظروف، ثم تماسك النواة الصلبة للحزب، إضافة إلى المزايا الشخصية للقيادات التي اختلفت مع أردوغان، تجعل احتمالية سيناريوهات الانشقاق والانقسام شبه معدومة، كما تجعل انتخاب رئيس جديد للحزب وتشكيل حكومة جديدة عملية سلسة سهلة شبه روتينية.
تركيا ماضية قدمًا نحو اعتماد دستور جديد، ونظام حكم رئاسي جديد، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.