السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الذين يقولون "لا" للرئيس "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتقد البعض أن الرئيس في مصر يحكم بمفرده وأنه صاحب الرأى والمشورة والقرار، وأن أحدا من المسئولين حوله لا يستطيع مناقشته أو مراجعته أو الاعتراض على أي كلمة يقولها أو أي قرار يتخذه، ويتخيل عامة الناس في بلادى أن الرئيس يذهب كل صباح إلى غرفة مكتبه ليجلس بمفرده عدة ساعات ممسكا قلمه الذهبى، ليكتب به مجموعة من القرارات الجمهورية واجبة النفاذ، ثم يقدمها لأعوانه مطالبا إياهم بنشرها وتنفيذها، وقد ظهر ذلك جليا حين أثيرت قضية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، فقد ظن بعض المعترضين أن الرئيس قد اتخذ قرارا بإعادة جزيرتى صنافير وتيران إلى السعودية دون الرجوع إلى الأجهزة والمؤسسات التي تشاركه إدارة الدولة، وواقع الأمر أن هذا الاعتقاد يمتد عبر التاريخ إلى أزمنة قديمة، فمن منا يتصور أن بمقدور أحد المسئولين الاعتراض على رأى أبداه والى مصر محمد على باشا، ومن منا يتخيل أحد الوزراء أو المسئولين وهو يقول لعبدالناصر لا، ونفس الشيء لا يرقى إلى خيال بعضنا إذا تحدثنا عن عصرى السادات ومبارك، ولكن الثابت تاريخيا ومن خلال مراجعة محاضر اجتماعات مجالس الوزراء ولقاءات الرؤساء بمختلف المسئولين أن هناك من يناقش الرئيس، وأنه أي الرئيس ينصت للآراء المختلفة، ويستدعى أصحاب الخبرة والكفاءة ليستمع إليهم، ثم يطلب تقدير الموقف من الأجهزة المحيطة به في ضوء المناقشات التي تمت، وإذن فالقرار في مصر يمر أولا بمرحلة صناعة القرار ثم مرحلة اتخاذه وإعلانه، ولا شك أن رئيس الدولة – بحكم منصبه- يتحمل المسئولية التاريخية للقرار، أما مرحلة صناعة القرار فتتم داخل ما يسمى المطبخ السياسي الذي لا يحق لأحد أن يطلع على ما حدث فيه من تفاصيل لخطورة ذلك على الأمن القومى، والرئيس تحيطه مجموعة من الأجهزة والمؤسسات تساعده في اتخاذ القرار، ودون شك فإن المخابرات العامة هي أبرز هذه الأجهزة، كما أن المخابرات الحربية التابعة للمؤسسة العسكرية هي أيضا من أبرز الأجهزة المعاونة على اتخاذ القرار، أيضا فإن كل وزير في تخصصه هو أحد المعاونين للرئيس، وربما تخرج لنا الوثائق والمحاضر بعد عدة سنوات لتكشف لنا كواليس اتخاذ القرار في مصر، ذلك مثلما حدث في العصور السابقة، فقد روى مثلا المشير الجمسى في مذكراته تفاصيل الخلاف بين السادات والشاذلى حول قرار معالجة الثغرة، فقال «عندما حضر الرئيس السادات إلى مركز العمليات نحو الساعة العاشرة والنصف مساء يوم ٢٠ أكتوبر كان الفريق الشاذلى واللواء حسنى مبارك واللواء محمد على فهمى وأنا واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية واللواء سعيد الماحى مدير المدفعية، مجتمعين في غرفة المؤتمرات، اجتمع الرئيس مع الفريق أول أحمد إسماعيل على انفراد لمدة ساعة قبل بدء المؤتمر، ومن الطبيعى أن يكون الوزير أحمد إسماعيل قد قدم للرئيس تقريرا عن الموقف ووجهة نظره، ورأى الفريق الشاذلى، وهما رأيان متعارضان لمواجهة هذا الموقف، وكانت نقطة الخلاف الرئيسية هي أن الشاذلى كان يرى سحب أربعة لواءات مدرعة من الشرق إلى الغرب، أما أحمد إسماعيل فكان يرفض ذلك، دخل الرئيس ومعه الوزير أحمد إسماعيل والمهندس عبدالفتاح عبدالله وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية غرفة المؤتمرات، ثم طلب الرئيس رأى المجتمعين واحدا بعد الآخر»، ويستعرض الجمسى الآراء التي قيلت داخل الاجتماع، وكلها كانت تؤيد فكرة عدم سحب قواتنا التي عبرت القناة واحتلت أماكن متقدمة في سيناء، بينما كان الشاذلى هو الوحيد الذي يرى ضرورة سحبها للدفاع عن السويس، وفى النهاية وبعد أن استمع الرئيس لرأى جميع القادة اتخذ القرار بعدم سحب أي قوات من الشرق، هذا الموقف يدل على أن الرئيس هنا لم يتخذ القرار وحده دون الرجوع إلى القادة العسكريين وسماعهم، وإذا قرأت كتاب «شهادتي» الممتع والرائع للسيد أحمد أبو الغيط ستكتشف أن الرئيس مبارك كان منصتا جيدا لمن حوله، وكان يطلب من أبو الغيط باعتباره وزيرا للخارجية أن يراجع السيد عمر سليمان في السياسة الخارجية مع كثير من الدول التي تمثل أهمية للأمن القومى المصرى، ويروى أبوالغيط أنه في مرحلة من المراحل كان يرى أن التعاون الاقتصادى مع تركيا سيفيدنا، واعترض مبارك لأن تجربته مع الأتراك لم تكن جيدة، ولكنه في النهاية ترك الأمر للوزير، أما عبدالناصر الذي اتهموه بالديكتاتورية فتعالوا في المقال القادم نقرأ سطورا من بعض اجتماعاته.