السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من الأزهر الشريف "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونأتى إلى دراسة أخرى فى الكتاب الذى أصدره الأزهر الشريف بعنوان «مقالات فى التجديد» والدراسة كتبها عضو بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الشيخ عبدالفتاح عبدالله بركة.. وهو يبدأ بالحديث الشريف «عن أبى هريرة أن رسول الله قال «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وقال السيوطى رواه أبوداود، والحاكم ورواه البيهقى فى المعرفة وهو صحيح» (ص٤١) ويذكرنا الشيخ بعنوان ورقته «التراث بين التجديد والتقليد والتبديد» ويقول «وقد يذكر التجديد ويراد به التبديد ولكن التصريح به صعب، إذ لا بد أن يجد استنكارا ومقاومة» ثم «ولقد سبق لعدد ممن ألبسهم الاستعمار الغربى فى بلادنا ثياب القيادة الفكرية والريادة الثقافية أن قاموا بالدعوة صراحة إلى استدبار ثقافتنا وتراثنا وأن نولى وجوهنا نحو الغرب حتى نعيش -فيما يظنون- كما يعيشون وننعم بمثل ما ينعمون، والإغراء رهيب، وحين تفشل مثل هذه الحملات يعودون إلى اللحن التقليدى على إيقاع التجديد لا التبديد ولا التقليد»، ويمضى فضيلة الشيخ «وفكرة التجديد تتناوب الظهور فترة بعد فترة» و«التراث الخاص بنا يشمل ما ورثناه من الماضى حلوه ومره وعلى كل جيل أن يستخلص لنفسه ما يستحسنه من تراثه ليبنى عليه وعلى أسسه ومبادئه وأصوله ما يريد من جديد تنمو به هويته، وتزدهر به ذاتيته وتشرق بأضوائه حضارته»، لكنه يعود ليحذرنا من رفض التراث رفضا كليا ويستند إلى الشاعر أحمد شوقى الذى قال عام ١٩٢٤:
لا تحذ حذو عصابـة مفتونـــــة يجدون كل قديم قوم منكــرا
ولو استطاعوا فى المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو عمرا
ويأتى بعد ذلك ليحسم الأمر فيسأل «ما هو مفهوم التجديد عندهم وكيف نفهمه نحن؟»، ثم يجيب «البعض يفهمه على أنه التخلص من قديم بلى وإحلال مكانه من شاكلته كتغيير سيارة أو مسكن، فيجددون ما يشاءون بما يشاءون ظنا أنها حيلة تنطلى علينا» (ص٤٦)، لكنه يحدد ما يقصده بالتجديد وما يريده، فالتجديد عنده هو «إزالة ركام الجهل والتخلص من البدع الموروثة أو الحديثة فى الدين، ليظهر الأصل نقيا واضحا وقد زال عنه ما يعيبه أو يطمسه أو ينقصه، وهو من هذه الناحية إحياء علمي، كما فعل الغزالى، فهو يستوعب ما يستجد من قضايا لدراستها واستخراج نتائجها وأحكامها وفق الأصول والمعايير العلمية ويكون المقصود هو تجديد تقديم الإسلام فى مبادئه وأحكامه وعلومه وثقافاته من جديد بعد طول إهمال سواء بين الخاصة والعامة»، لكن الشيخ يحذرنا إذ يقول «وتجديد التراث لا يمكن أن يفهم بمعنى أن نضيف إليه أو نحذف منه وإلا نكون قد زيفناه، والدراسة مطلوبة ومهمة مع استخلاص النتائج والعبر واستخراج الأسس والقواعد، واستطلاع المبادئ والغايات تمهيدا لاستئناف البناء المنشود، ولذلك كان من الضرورى أن تنشط كوكبة من العلماء فى إبراز هذا التراث الفكرى والفنى والعلمى والعملى والحضارى بطريقة تساعد المهتمين على تحصيله ومعرفة ما فيه من كنوز ما زال كثير منها خافيا على كثيرين»، ثم «ولعلنا نطمح ونطمع أن تتبنى بعض المؤسسات العلمية والثقافية برنامجا حيا له خططه ومراحله وتمويله»، ويختتم الشيخ عبدالفتاح بركة بالدعاء بالتوفيق والقبول.
ثم نأتى إلى بحث آخر للراحل الشيخ طه جابر العلوانى -من كبار علماء الأزهر الشريف بالعراق- الذى يؤكد أهمية الندوة «فى عصرنا هذا الذى لم يشهد عصر قبله ما يشهده من انفجار معرفى وصراع فكرى وثقافى وحضاري، فمهما كانت الحروب والفتن والمنازعات وآثارها فى حياة الناس، فإن الصراع الفكرى والثقافى بقى له موقعه المميز فى قائمة الجدل والصراع، بل تعتبر الأفكار والثقافات والأسس التى تبنى عليها الحضارات وسائل وقواعد لانطلاق كثير من الحروب الباردة والساخنة» (ص٥٢)، ثم يتحدث عن التجديد فيقول إنه «أمر أصيل فى معارفنا وثقافتنا وديننا، فإننا نؤمن بتعرض كل شيء -ما عدا الله جل شأنه- لقواعد القدم، لأن الزمن سائر إلى النقطة التى يفنى بها كل شيء ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، لكن لا بد من مقاومة ذلك بسنن إصلاح ما تقادم وتجديده» (ص٥٣)، ويمضى قائلا «وقد تشكلت أفكارنا منذ جيل التلقى ومعارفنا حول هذا الكتاب، فالعرب لم تعرف قبل القرآن، علما ولا تشريعات، والكتابات القليلة التى كتبها بعض الكتاب لم تكن تتجاوز شيئا من الأنساب وبعض الأماكن الجغرافية، وشيئا من التاريخ وكل ذلك كان يجرى فى إطار ثقافة شفوية يجرى تداولها بين الرواة والقصاصين، فلما نزل القرآن على قلب الرسول أصبح هو والحديث الشريف مصدرى العلم والمعرفة «قال الله وقال الرسول»، حتى كان التدوين فى الدولة العباسية وبدأ التدوين لعلوم التفسير والحديث والفقه عام ١٤٣ هـ» (ص٥٩).
ثم يمضى بنا الشيخ عبر محاولات التجديد من الغزالى إلى ابن رشد إلى ابن خلدون والإمام الرازي وغيرهم، ويأتى إلى أيامنا التى يتولى فيها الأزهر الشريف مسئولية التجديد فى الفكر الإسلامى والمعرفة الإسلامية بتجديد المعارف بنور كتاب الله وهدى رسول الله، ثم يدعو الله إلى توفيق الإمام الأكبر للقيام بهذه المهمة الجليلة، ونواصل.