الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الإصلاح.. هدية القيادات الشابة للسعودية

خادم الحرمين الشريفين
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قيام الملك سلمان بن عبدالعزيز العام الماضى بإجراء التغييرات التى دفعت الجيل الثالث من أحفاد مؤسس المملكة العربية السعودية إلى تصدر الصفوف الأمامية والتوسع فى منحهم مهام إدارة الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية للمملكة.. لم تحمل عنصر المفاجأة وقتها خصوصا فى سياق قراءة المتابعين لسرعة تحرك المملكة الحاسم إزاء كل المتغيرات الدولية والعربية خلال الأعوام الماضية.
هذا التغيير فى الإيقاع كان لا بد أن تواكبه إعادة هيكلة سريعة تُحدِث التوازن المطلوب بين موروث تقاليد للحكم أرساها الملك عبد العزيز آل سعود وظلت تلعب دور صمام الأمان فى حفظ استقرار المملكة عشرات السنين.. فى مقابل أحداث عصفت بالمنطقة العربية منذ الغزو الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣.
صعود جيل من القادة الشباب يتقن «لغة» و«مفاتيح» الإدارة الحديثة- عالميا ومحليا- بما يضمن المصالح السعودية فى سياق دور عربى مؤثر قادر على التعامل مع كل التغييرات التى طرأت على المنطقة، ظهرت معالمه الواضحة عبر التحركين السياسى والأمنى الذى قامت بهما المملكة طوال الأعوام الماضية، بما فيها إعادة ترتيب أوراق تحالفات تاريخية، ربطتها مع قوة دولية – أمريكا- والانفتاح التدريجى على قوة أخرى – روسيا- سارعت إلى التواجد فى المنطقة لتستعيد دورها التاريخى. أغلب التقارير الإعلامية والتحليلات الصادرة عن مراكز البحوث الأمريكية والغربية وقتها دارت فى إطار التكهنات حول وجود «انقلاب» أو «خلافات» داخل العائلة الحاكمة.. إلى غير هذه المزاعم التى لم ترق إلى المستوى المنطقى للدوافع وراء هذه التغييرات.
المملكة تدرك جيدا أن أى خلاف أو صراع بين أفراد العائلة الحاكمة لن يكون «انتقائيا»، لأن امتداد آثاره السلبية سيشمل كل المملكة، بل من المرجح أن يهدد استقرار منطقة الخليج العربى.
من جهة أخرى، توارت توقعات ارتباط هذه التغييرات بخطة إصلاح جذرى لتقتصر على الأمنيات والاحتمالات الضعيفة.
بعد انقضاء «الأوهام» المستوحاة من «الخيال السياسى» تبارت وسائل التأثير فى الرأى العام الأمريكى – على رأسها الإعلام- فى رسم صور تحليلية عن الشخصية الأبرز بين القيادات الشابة السعودية.. الأمير محمد بن سلمان، ثم ازداد هذا الزخم الإعلامى مؤخرا بعد موافقة مجلس الوزراء السعودى على خطة الإصلاح التى أطلق عليها (رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠)، والتى ظهرت إلى العلن نتيجة جهود ودراسات تبنتها الرؤية الإصلاحية التى قادها محمد بن سلمان منذ عام دون أن تتعرض هذه الخطة الطموح إلى التجاذبات السياسية والجدل العقيم قبل اكتمالها والإعلان عنها.
رغم تركيز خطة الإصلاح على رؤية شاملة للاقتصاد والتنمية إلا أنها أيضا حملت جوانب إصلاحية هامة تراجع بعض الموروثات التاريخية التى شكلت مادة لموضوعات طالما استخدمتها أمريكا كورقة ضغط توجه وسائل مخاطبة الرأى العام إلى المبالغة فى إثارتها كلما ظهر تقاطع فى المصالح بين أمريكا والسعودية، كما حدث مؤخرا مع إثارة الكونجرس موضوع إصدار قانون يسمح بمحاكمة مسئولين سعوديين بتهمة التورط فى هجمات ١١ سبتمبر، وسرعان ما قابله رد سعودى حاسم فى حال مرور هذا القانون الذى واكبته مطالبة عدد من أعضاء الكونجرس الرئيس الأمريكى أوباما بالضغط على السعودية فى شأن سجلها الخاص بحقوق الإنسان! بعيدا عن التاريخ الأمريكى مع سجل حقوق الإنسان العربى والتقارير المصورة التى نشطت فى تداولها مؤخرا القنوات الإخبارية الأشهر فى أمريكا، والتى تدور حول ربط المملكة بتمدد وزيادة تأثير التنظيمات الإرهابية.. واقع الأمر أن علاقة «الشد والجذب» بين السعودية وأمريكا لا يمكن فصلها عن تاريخ ٢٠٠٣.. العام الذى تسامحت فيه أمريكا مع أولى خطوات إيران بسط نفوذها على المنطقة العربية عبر إطلاق يدها فى العراق.. ثم المرحلة الفاصلة الأخرى بعد عشرة أعوام حين اختارت السعودية الانحياز بقوة إلى إرادة الشعب المصرى وهو يتخلص عام ٢٠١٣ من حكم «عصابة» ما زالت أمريكا ترى أنها «تيار سياسى سلمى»!! الدليل على عبث «الظاهرة الصوتية» التى لم تعد أمريكا تتقن سواها.. صدور مثل هذه المواقف المتحفزة من الكونجرس تجاه السعودية قبل أيام فقط من إعلان خطة الإصلاح التى تضمنت أيضا عدة بنود إيجابية، أهمها مراجعة صارمة لتجاوزات ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تمثلت فى إصدار مجلس الوزراء السعودى قانونا يجرد أعضاء هذه الهيئة من صلاحياتهم، ويلغى أحقيتهم فى اعتقال أو مطاردة أو التحفظ على المواطنين، وقصرت دورهم على إبلاع الجهات الأمنية فقط فى حال رصد أى تجاوز من المواطن، بعدما وصل الأمر بممارسات أعضاء هذه الهيئة مع المواطنين وكأنهم ينتمون إلى سلطة ذات صلاحيات مطلقة تمارس دورا أمنيا موازيا لدور الدولة.
مع وجود العديد من القيود المفروضة على المرأة السعودية فى مجالات مشاركتها المجتمعية ومازالت إجراءات معالجتها تتم ببطء نتيجة مراعاة التقاليد والموروثات، إلا أن خطوات مثل حق الترشح للانتخابات الذى حصلت عليه المرأة السعودية عام ٢٠١٥ وارتفاع نسبة التعليم الجامعي -وفق دراسات صادرة عن جامعات عالمية- مما يرفع بدوره احتمالات حصول المرأة فى السعودية على المزيد من الحقوق، ويمهد الطريق أمام بعض التغييرات فى الموروثات التقليدية للمجتمع السعودى.