الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"البرلمان".. عساه يفعل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن للبرلمان دورًا مركزيًا فى ضبط حركة الحياة السياسية صوب التأكيد على كل مبادئ الحكم الرشيد، سواء ما يمثله دوره الرقابى من مساءلة ومحاسبة، أو ما يؤكد عليه دوره التشريعى من سيادة القانون، وتفوقه على ما عداه من قيم مجتمعية.
وتأكيدًا على محورية الدور الوطنى للبرلمان، كان البرلمان ختام خطواتنا نحو إرساء الأركان الدستورية للدولة، باعتباره الجانب الشعبى فى منظومة الحكم، والتى عليها نُلقى بأعباء جسيمة تعبر عن مشاركة مجتمعية واسعة فى صناعة القرار.
على هذا الأساس يبدو رصدنا الدقيق لأداء البرلمان معبرًا عن سقف الطموحات الوطنية المرتفع نحو برلمان يدلل بالفعل على أن قيمًا جديدة أفرزتها الثورة المصرية، يمكن من خلالها تجسيد التطلعات الشعبية المشروعة فى مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
من هنا، لا سبيل إلى تجاهل السلبيات التى برزت تحت قبة البرلمان، فيما عزز من مخاوف كثيرة انتابت وفرة من المصريين، على خلفية ما شهده السباق البرلمانى من مظاهر رديئة، ما كان لها أن تستمر معنا ونحن ننطلق بثورتنا إلى آفاق بعيدة يمكن أن تعيد الدولة المصرية إلى ريادتها المعهودة فى المنطقة، مثلما تعيد إليها استقرارها، غير أن استقرارًا تتطلع إليه الجموع الثورية ليس سوى استقرار على أساس راسخ لقواعد العملية الديمقراطية، وليس ركودًا جامدًا فى السلطة، بدوائرها المغلقة بإحكام أمام كل الكفاءات غير المنتمية إلى الحزب الوطنى المنحل الذى مثل رمزًا لعهد طويل من الجمود السياسى.
والمراقب لفترة حكم مبارك، وما سبقها من سنوات قضاها الرئيس السادات فى الحكم، يدرك أن البرلمان، بغرفتيه، الشعب والشورى، لم يكن أداة ديمقراطية كما هو منوط بها، قدر ما كانت أداة نظامية بموجبها تم تمكين سياسات النظام الحاكم من تسيد المشهد، فيما انحسرت الطموحات فى مجرد أعمال تكاد لا تهدف إلا لتسيير أعمال الدولة، دون أمل كبير فى نهضة تنموية شاملة، ولا حراك سياسى حقيقى وفعال يؤسس لحياة سياسية حقيقية، ومن ثم نبدأ الآن من جديد، إذ لا شيء برلماني لدينا يمكن أن نبنى عليه، بل آثار سلبية نسعى إلى محوها من حياتنا البرلمانية.
ولعل فى ذلك إشارة واضحة إلى العلاقة الطردية بين الأداء البرلمانى من جهة، وتطور ونمو الحياة السياسية بشكل عام، وكذلك ما تحققه المجتمعات من تنمية فعلية من جهة أخرى. فرغم مرور عشرات السنين على عودة الأحزاب السياسية، بمبادرة من الرئيس السادات، حين سعى بعد حرب أكتوبر المجيدة إلى الانخراط فى المعسكر الغربى، فرأى ذلك فى «دمقرطة» مصر، إلا أن غياب الإرادة السياسية الجادة، لم تدفع بأحزابنا نحو صحيح ما يحمله مفهومها من قيم سياسية راقية، منوط بها التعبير عن حيوية الحياة السياسية، وامتلاكها أدواتها فى مجابهة سطوة المال، وتزييف الإرادة الشعبية، وغلبة قيم مضادة لما تحتويه العملية الديمقراطية من فرص متكافئة تدفع بالأفضل غالبًا إلى تحمل المسئوليات الوطنية، سعيًا إلى مصلحة عامة لا تتراجع أمام ضغط مراكز القوة وأدواتها الفاعلة فى المجتمع.
على خلفية ما سبق، يمكن أن نؤكد أن برلماننا الحالى لم ينجح بعد فى تأكيد قدرته على تجاوز ميراثنا البرلمانى الصعب، دفعًا بنا إلى تطور نيابى حقيقى يمكن أن يمثل نقلة كبيرة صوب إرساء قواعد حياة سياسية ديمقراطية يمكن أن تقودنا إلى تنمية شاملة نتطلع جميعًا إليها، وتستهدفها حواراتنا، دون أن ندرك منها شيئًا ملموسًا فيما يتعلق بالوجه السياسى للدولة، وهو بالمناسبة، الأكثر تعبيرًا عن صحة توجهاتنا نحو أهداف الثورة المصرية المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير، وموجتها التصحيحية فى الثلاثين من يونيو.
لا ينفى ذلك أن الفترة التى انقضت من عمر البرلمان، قليلة بالفعل، وأن أعباءً ضخمة واجهت الخطوات البرلمانية الأولى، لعل أهمها يتمثل فى ضرورة مناقشة مئات القوانين التى صدرت فى غياب السلطة التشريعية، إلى جانب إقرار اللائحة الجديدة للبرلمان، فضلًا عن تشكيل اللجان البرلمانية. وكلها أمور كان لها أن تستغرق وقتًا بالفعل، وتنتج صراعات سياسية مشروعة قطعًا، مع ما تحتاجه من وقت وجهد.
غير أن أملًا كبيرًا فى برلمان يجسد طموحاتنا الثورية، يصعد بنا إلى مراتب أفضل، معها نبقى على مشروعية الآمال الثورية المتزايدة. ومن ثم نؤكد أن صعوبة المرحلة كانت بادية منذ اللحظات الأولى التى نهضت فيها الموجة الثورية فى الثلاثين من يونيو، فيما أظهرته من حجم التحديات والمخاطر، وتعدد أعداء المرحلة فى الداخل والخارج على السواء. وبالتالى كانت المسئولية الوطنية جسيمة وواضحة لكل من يتقدم إلى الصفوف الأولى. ومن هنا كان التشديد متكررًا وصريحًا على أهمية دقة الاختيار، وتزايد الحاجة إلى مراجعات جادة وحقيقية تحكم أداء المرحلة، دون تخوين أو تهميش لتيار وطني، إذ لم تكن إلا القدرة والكفاءة أشد مناسبة للمرحلة، دون اكتراث بشعبية هنا أو هناك، ودون التفات إلى سطوة مال، أو نفوذ قبلى، يعود بنا إلى سابق عهودنا التى شوهت الحركة الوطنية فى العقود الأخيرة.
وعليه، فشهور قاربت الأربعة، احتاجها المجلس فى ترتيب أوراقه، من إقرار قوانين سابقة ووضع لائحة وتشكيل لجانه، هى فترة ليست بالقليلة أبدًا فى عمر وطن يسابق تحدياته، ويصارع مخاطر شتى تحيط به، لا تترك له رفاهية التمهل بهذا القدر من الهدوء والسكينة.
إلى جانب ذلك، بدت فى البرلمان ملامح لطالما أزهقت الآمال فى أداء برلمانى يواكب ما تصبو إليه الملايين من ثورة تشريعية تهيئ مناخًا مجتمعيًا للعمل بدستور ٢٠١٤ الراقى الذى أنتجته الثورة المصرية، معبرة عن محتواها القيمى المتحضر.
من ذلك أن صراعات ظهرت فى البرلمان لا ترتبط أبدًا بالقضايا الوطنية المُلحة التى على البرلمان ونوابه أن ينشغلوا بها، بل وجدنا صراعات ومعارك شخصية تنتقل من شاشات الفضائيات إلى داخل قاعة البرلمان، وبالعكس. كما ظهر جليًا أن أداءً استعراضيًا ذهب إليه البعض موجهًا نفسه شطر أهالى دائرته الانتخابية، غير عابئ بكونه نائبًا عن الأمة كلها، لا عن أبناء دائرته فقط، متناسيًا أن الوطن فى مرحلة تأسيس لحياة نيابية جديدة تتفق وحجم التطلعات فى بناء دولة مدنية حديثة، وأن فى الأفق القريب محليات عليها أن تنهض بمسئولياتها نحو بناء روابط حقيقية بين الشعب بتياراته المختلفة، وكافة أجهزة الدولة، تاركة للبرلمان دوره الرقابى والتشريعى، وهو دور يتعارض بالفعل مع قيام نواب البرلمان بأدوار المحليات، على نحو يؤكد بقاء مفهوم «نائب الخدمات» فى موضعه الحصين داخل ممارساتنا النيابية، وهو ما تأكد لكل من تابع لهفة الكثير من النواب على الوزراء فى جلسة المفترض أنها تحدد مصير الحكومة، فرأينا تسابقًا محمومًا حول الوزراء، لا ينبئ أبدًا أن مساءلات حقيقية تنتظر الحكومة، أو أن رقابة جادة على أعمالها يمكن أن تغادر مواقعها المفضلة أمام شاشات الفضائيات.
ليكن فيما طرحته، نذير حرص شعبى على متابعة ومراقبة أداء برلمانه المنوط به قيادة الحياة السياسية نحو ترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد، إذا ما كان لها مالكًا بين جدرانه، مدركًا حجم وثقل مسئولياته، صانعًا لأعضائه تاريخًا ساطعًا فى تراث حركتنا الوطنية، باعتباره اللبنة الأولى والأهم فى بناء أى دولة مدنية حديثة، فعساه يفعل.