الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

2.2 تريليون جنيه خارج سيطرة الحكومة

حجم تجارة الاقتصاد السرى فى الأسواق الشعبية

وزارة المالية
وزارة المالية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي تبحث فيه الدولة عن وسائل متنوعة لتدبير موارد مالية، لتمويل متطلبات زيادة الأجور وزيادة الإنفاق على الخدمات، وسد عجز الموازنة، نجد أنها تقف عاجزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لفرض رقابتها وسيطرتها على الأوضاع الاقتصادية، التي تزداد تدهورا، يوما بعد يوم. فلا توجد دولة في العالم لديها نوعان من الاقتصاد «رسمى وعشوائى»، سوى مصر، فالاقتصاد العشوائى ليس نشاطا سريا يجرى في الخفاء، بعيدا عن العيون، لكنه نشاط معلوم للحكومة وأجهزتها، ومرئى من الكافة، فضلا عن أنه لا يخضع لأى رقابة من الجهات المختصة، الأمر الذي يعرض البلاد للخطر جراء تناميه.
هذه المبالغ الضخمة، يتم تداولها عن طريق البيع والشراء للسلع والمنتجات في الأسواق العشوائية خارج رقابة الدولة، الأمر الذي يحرم الخزانة العامة من تحصيل ٣٣٠ مليار جنيه سنويًا 
يبلغ حجم الاقتصاد العشوائي، قرابة ٢.٢ تريليون جنيه، هذه البيانات ليست تقديرية، لكنها بيانات موثقة، وفقا لآخر إحصائيات البنك الدولى، المعنى بدراسة الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها المباشر على حجم النمو في بلدان العالم. 
هذه المبالغ الضخمة، يتم تداولها عن طريق البيع والشراء للسلع والمنتجات في الأسواق العشوائية خارج رقابة الدولة، الأمر الذي يحرم الخزانة العامة من تحصيل ٣٣٠ مليار جنيه سنويًا قيمة الضرائب المستحقة، من عوائد أرباح هذه الأنشطة، وفق النظام الضريبى المعمول به في مصر وهو تحصيل نسبة ١٥٪.
إذا كان هذا هو المتاح من المبالغ التي يمكن تحصيلها بسهولة من الحكومة إذا كانت لديها الرغبة في ابتكار الوسائل، فما بالنا، إذا وضعنا أمامنا نظم تحصيل الضرائب المعمول بها عالميًا، وهى نسبة تتراوح من ٢٥ إلى ٢٧٪، ففى هذه الحالة ستصبح الحصيلة الضائعة على الخزانة العامة أكثر من ٥٥٠ مليار جنيه.
إن رصد هذه البيانات يكشف بجلاء جملة من الحقائق، مفادها غياب الرؤية والابتكار وسوء التدبير، من جانب الحكومات المتعاقبة، بل وإن شئنا الدقة، تورطها بالصمت، في توحش فئات بعينها داخل المجتمع، على حساب الشأن العام بكل تفاصيله الاجتماعية والاقتصادية، هذا الغياب أو التورط، أدى بالتبعية إلى تنامى هذا النشاط العشوائى بصورة لافتة للنظر، الأمر الذي شجع المغامرين على الدخول في دائرته غير المشروعة، والانضمام إلى هذا العالم الذي يتحكم فيه أباطرة من رجال البيزنس المشبوه، وانضم إليهم بلطجية جعلوا أنفسهم بديلًا للحكومة وأجهزتها المختصة، فهؤلاء البلطجية، يقومون بتحصيل الإتاوات وتأجير الأرضية للبائعين في الأسواق «عينى عينك»، أي أن تلك الممارسات تتم تحت سمع وبصر جميع الجهات المسئولة، التي تلتزم الصمت ولا تحرك ساكنًا أمام مشاهد الفوضى.
سلبية الحكومة وعدم قدرتها على مواجهة تلك الظواهر، كانت دافعا لاتحاد الصناعات، أن يعد قبل عدة سنوات دراسة علمية، أوصت باستيعاب هذا النشاط، وإخضاعه للاقتصاد الرسمى، بما يحقق الكثير من العوائد الإيجابية، منها تعظيم حصيلة الضرائب والرسوم إلى ما يفوق نصف تريليون جنيه، «لاحظ نصف تريليون جنيه»، هذه العوائد إذا جرى تحصيلها، كافية بأن تقلب عجز الموازنة إلى فائض، بما يحافظ على ماء وجه الحكومة من الاقتراض الخارجى والابتعاد عن الدين الداخلى، وذلك إذا امتلكت الإرادة الحقيقية، بإخضاع الاقتصاد العشوائى للقانون، عبر تحديث الإدارة الضريبية لتعظيم الموارد السيادية.
فالدراسة المودعة داخل أدراج كبار المسئولين في الحكومة، أشارت إلى الطرق المبتكرة غير التقليدية لزيادة حصيلة الضرائب، بإخضاع السوق الموازية للضرائب والرقابة، فهو يعمل بصورة غير رسمية، رغم أن بعضه يرتدى ثوب الشرعية بـ «تستيف» الأوراق، واستغلال تعدد جهات إصدار التراخيص، إلا أن أغلبه لا يلتزم بسداد أي رسوم أو ضرائب مستحقة للخزانة العامة للدولة، وبالتالى فإن مجرد إخضاعه للقواعد والقوانين، سيؤدى بالضرورة إلى مضاعفة الرسوم السيادية، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الأسواق لا يوجد بها سعران لسلعة واحدة سواء كانت رديئة أو جيدة الصنع، بما يعنى أن جميع السلع والخدمات محملة بالضريبة، حيث يسددها القطاع الملتزم وتحصلها السوق العشوائية لنفسها دون وجه حق. 
من أهم مكونات الاقتصاد العشوائى أو الاقتصاد الموازى أيًا كانت التسمية، مصانع بير السلم، وهى المنتشرة في المناطق العشوائية وعلى أطراف المدن والقرى وأسفل العقارات، يبلغ عددها ٤٧ ألفًا، بما يوازى أكثر من نصف المنشآت الصناعية في مصر، وما خفى كان أعظم.
هذا العدد الهائل من المصانع العشوائية، يقع ضمن قائمة المنشآت المسجلة رسميًا وعددها ٩٠ ألف مصنع، لكن الحاصلين على عضوية اتحاد الصناعات ٤٣ ألفًا فقط، يخضعون لرقابة الدولة، أما الباقى فهو الذي يطلق عليه مصانع «بير السلم»، أصحابها لم يستخرجوا سجلات صناعية، لمباشرة عملهم بطريقة رسمية، للقيام بالدور الاجتماعى المنوط بها، مثل الاهتمام بالعنصر البشرى وتحسين أحوالهم المعيشية مع ضرورة تأهيلهم وتدريبهم على نظم العمل الحديثة.
المصانع تبيع منتجاتها بدون فواتير للباعة المتجولين في الأسواق الشعبية، الذين يبلغ عددهم ـ وفق البيانات الرسمية بمحافظات الجمهورية ووزارة التنمية المحلية ـ ٨ ملايين بائع، وهؤلاء هم الأدوات الرئيسية في أيدى أباطرة الاقتصاد العشوائى ومنتجى السلع المضروبة، وتجار السلع منتهية الصلاحية. 
الحديث عن الباعة الجائلين، يقودنا بالتبعية إلى الحديث الأهم، انتشار الأسواق العشوائية على مستوى الجمهورية، والتي يبلغ عددها ١٢٠٠ سوق، وفقا للإحصائيات الموجودة داخل محافظات جمهورية مصر العربية، ووزارة التنمية المحلية، هذه الأسواق بمثابة بورصة علنية تدار بطريقة بدائية، خاصة إذا علمنا أن جميع عمليات البيع والشراء في هذه الأسواق تتم بالأموال السائلة. 
المصريون بجميع شرائحهم وعلى اختلاف مستوياتهم، يرتادون الأسواق الشعبية باعتبارها موروثًا ثقافيًا واجتماعيًا، يلبى احتياجاتهم الاقتصادية ومتطلباتهم الحياتية من مأكل وملبس، وخلافه من الاحتياجات الأخرى، خاصة في القرى والنجوع، فهى بالنسبة لهم بورصة لتسويق منتجاتهم ومواشيهم وحاصلاتهم الزراعية، من خلالها يدبرون أحوالهم المعيشية بطريقة سهلة، واستثمار حصيلة البيع في شراء مستلزماتهم، وإذا انتقلنا إلى الفئات التي تقطن المناطق الشعبية بالمدن الكبرى، فيلجئون إليها نظرًا لظروفهم المالية، لأن المولات التجارية الكبيرة التي تقدم عروضًا على بعض المنتجات التي تعرضها، تبعد عن المناطق الشعبية المكتظة بالسكان، وغالبيتهم من الفقراء ومحدودى الدخل ممن لا يملكون سيارات يذهبون بها إلى المولات على أطراف المدن، لذا يفضلون الشراء من المكان الأقرب لهم، وهى الأسواق الشعبية الثابتة التي تعرض الخضراوات والفاكهة والاحتياجات اليومية.
الرغبة الملحة بضرورة الاهتمام الرسمى وفرض الرقابة على الأسواق الشعبية، لم تكن فقط من قبيل تعظيم الموارد السيادية، وإن كان ضروريًا، لكن الاهتمام سينعكس بالضرورة على المواطن، ويجعله يشعر بحالة من الارتياح ويبدد مخاوفه أثناء شرائه المنتجات، لأنه سيضمن جودتها، باعتبار أن الرقابة الحكومية على الأسواق الشعبية، ستحد من المشكلات الناتجة عن تداول السلع بطريقة عشوائية، وهذه المشكلات تكمن في عمليات الغش التجارى وتداول السلع الرديئة ومجهولة المصدر، والمنتجات البدائية فضلًا عن رواج بيزنس السلع منتهية الصلاحية، فبدلًا من إعدامها بمعرفة الجهات المختصة، يتم بيعها بأسعار رخيصة للبسطاء ما يجعل الإقبال عليها كبيرًا، دون دراية بالمخاطر الناتجة عنها مثل حالات التسمم والغش التجاري.
الإحصائيات الرسمية عن الأسواق العشوائية في الأقاليم، لم تتضمن أسواقًا أخرى، يطلق عليها الأسواق الموسمية، التي تقام مرة واحدة في العام تستمر أسبوعًا كاملًا في مكان واحد، جميعها خارج نطاق رقابة الدولة، وهى الأسواق المرتبطة بموالد أولياء الله الصالحين المنتشرة في القرى والنجوع والمدن، وعددها ٢٨٥٠ مولدًا، يرتادها غالبية سكان مصر، ولأن الاحتفال بالموالد ظاهرة اجتماعية لما لها من مكانة روحية، لذا فإن عمليات البيع والشراء، صارت جزءًا من طقوس الاحتفال بها، حيث يتنقل البائعون ببضائعهم من مولد إلى آخر طوال العام.