الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

قراءة جديدة فى ملفات الأمن القومى 4

عبدالرحيم علي يكشف: قصة وثيقة "الإخوان" الملعونة.. حلم "الجماعة" المستحيل بتقسيم السلطة في مصر

الكاتب الصحفي وعضو
الكاتب الصحفي وعضو مجلس النواب الدكتور عبدالرحيم علي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


 

لم يمنح الإخوان المسلمون أنفسهم فرصة لتأمل ما جرى لهم في 30 يونيو و3 يوليو 2013، لم يلتقطوا أنفاسهم، كانت رغبتهم في البقاء بالسلطة والتمسك بها لـ 500 عام كما قالوا وأكدوا تحرقهم، ظلوا يعملون من أجل هذه اللحظة لأكثر من ثمانين عامًا، ولما جاءتهم فشلوا وباعوا وخانوا، فخرج الشعب يشيعهم إلى مثواهم الأخير.

بعد ثلاثة أيام تحركت الجماعة، وما يشغلها هو التفكير في العودة مرة أخرى إلى السلطة التي خرجوا منها بأمر الشعب، لم يجلسوا ليعرفوا أخطاءهم، لم يمنحوا أنفسهم فرصة المحاسبة والعقاب لمن أوردوهم موارد التهلكة، فكروا فقط كيف يعودون مرة أخرى إلى النعيم الذي طردهم الشعب منه، وهو نعيم لم يحفظوه ولم يحافظوا عليه.

 في هذا السياق أجد عرض هذه الوثيقة أمرًا بالغ الأهمية، ليس لخطورتها وقتها، فقد تجاوزتها الأحداث، ولكن لما تحمله من دلالة واضحة، ولما تكشفه من فلسفة الجماعة ومن ينتمون إليها في التفكير العام، وهو تفكير معاد للعقل والمنطق، والأهم من ذلك أنه معاد للشعب الذي تفكر الجماعة في العودة إلى حكمه مرة أخرى.

عنوان الوثيقة هو «توقعات ردود فعل ٣ يوليو وما بعدها» وهى وثيقة تنظم عددا من الفعاليات التي يقوم بها أعضاء الجماعة داخل مصر، يكون هدفها الاستراتيجي والتنظيمى الأول هو الشرعية وعودة الرئيس المعزول محمد مرسي.

اهتمت الوثيقة الإخوانية التي وضعها عدد من قادة الجماعة، وكان يتم تداولها بينهم سرًا بما يسمى الرؤية الاستراتيجية للصراع والتفاوض بعد ٣٠ يونيو، ثم مهام مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو، وقد مهد من كتبوها لما يريدون بتقديم عن الطبيعة الحقيقية للصراع.


 

تقول الوثيقة إن مصر شهدت حالة من الإقصاء المتبادل بين التيارين الإسلامى والعلمانى، قام التيار الإسلامى بإقصاء التيار العلمانى بشرعية الشارع والانتخابات (لم يشيروا بالطبع إلى أن الشارع الذي يتحدثون عنه كان مخدوعا فيمن يقدمون أنفسهم على أنهم وكلاء الله في الأرض، وفى الانتخابات ذهب الناس إليهم مدفوعين بأنهم يختاورن من يتحدثون باسم الله ويدعون مناصرة دينه)... والتيار العلمانى قام بإقصاء التيار الإسلامى بقوة الأجهزة التي خططت ونفذت بذكاء، فوفرت غطاء شعبيا لانقلاب الأجهزة، (تجاهلت الجماعة تماما حالة الغضب الشعبى، التي نزل الناس على إثرها إلى الشارع ليخلعوا الإخوان من حكم مصر، واهتموا فقط بما يدعونه من تآمر الأجهزة عليهم، وهو دليل على أن الجماعة لم ولن تحترم الناس ولا إرادتهم في أي يوم من الأيام).

تعاملت الجماعة مع ما جرى في ٣٠ يونيو، إذن، على أنه مجرد حالة من الإقصاء التي قام بها التيار العلمانى ردا على حالة الإقصاء التي قاموا هم بها، إلا أنهم اعتبروا أن هذا الإقصاء المتبادل غير قابل للاستمرار، وأعتقد أنهم قالوا ذلك لأن الإقصاء في هذه الحالة لم يكن في صفهم أبدا، خسروا كل شىء، ولذلك أعلنوا أن الحالة غير قابلة للاستمرار. 


 

وضع الإخوان من أجل تحقيق أهدافهم ما أطلقوا عليه الاستراتيجية الكلية لإدارة الصراع، وكان جوهر وقلب هذه الفلسفة يقوم على تقاسم السلطة بين التيارين على أسس قابلة للاستدامة والاستقرار على الأقل خلال فترة انتقالية (هنا يتعامل الإخوان مع ما حدث في مصر بعد ٣٠ يونيو على أنه وضع مؤقت، أو بتعبير أدق بالنسبة لهم فترة انتقالية، يعود بعدها الوضع على ما كان عليه، أو على الأقل يعودون من جديد إلى السلطة).. وحددوا لذلك ما قالوا إنه سيحقق لكلا الطرفين حدًا أدنى من المطالب.

كانت هذه هي الاستراتيجية الكلية التي وضعتها وثيقة الجماعة، انتقلت بعدها لما يمكن التعامل معه على أنه الاستراتيجيات التفصيلية لإدارة الصراع.

في هذه الخطوة وضعت الوثيقة عدة أسئلة، واعتبرت أن الإجابة عنها أمر مطلوب وضرورى، كانت هذه الأسئلة كالتالى: ما هي الأمور محل التقاسم بين التيارين... فكرًا ومؤسسات ومصالح وآليات؟.. ما هي شروط التقاسم المرضية للطرفين على هذه الأمور؟.. كيف يحسم الخلاف بين الطرفين على الشروط التي لا يستطيعان التوافق بشأنها؟.. ما هي عناصر القوة والتأثير التي يملكها كل طرف؟.. كيف يمكن توظيفها في الصراع لنا لتعظيم آثارها، ونتعرف على ما عنده للتعامل معه؟.

هل تلاحظون شيئا؟، أننا أمام جماعة تحاول الخروج من أزمتها، تضع استراتيجية واضحة لذلك، لكن وهى تفعل ذلك لا تفكر إلا في نفسها حتى اللحظة الأخيرة، ولعلكم لاحظتم معى ما تقوله الوثيقة، يقول من كتبها: «كيف يمكن توظيف عناصر القوة في الصراع لنا لتعظيم آثارها».. يتعاملون طوال الوقت بما يخدم مصالحهم وحدهم، لا يهتمون بالآخر، هم لا يعتبرونه موجودا من الأساس، لا يفكرون إلا في أنفسهم وجماعتهم، يأخذون من الحكم مطية لتحقيق أهدافهم، التي هي بعيدة كل البعد عن المصلحة العليا للبلاد.


 

حددت الوثيقة بعد ذلك ما أطلقوا عليه مهام المرحلة ما بعد ٣٠ يونيو، وهى المهام التي حددوها في نقاط محددة على النحو التالى:

أولا: توسيع القاعدة الشعبية خاصة الشبابية المتمسكة بالثورة (كانوا ولا يزالون يتمسحون بالثورة، رغم أننا جميعا نعرف أنهم ركبوا الثورة وحاولوا تسخيرها لخدمة أهدافهم فقط)، والمشروع الإصلاحى التطويرى بعموم في مصر (لم تحدد الجماعة الإرهابية ملامح المشروع الإصلاحى هذا، وهو ليس غريبا عليهم، فهم بلا أفكار ولا برامج، فقد صدعونا بما أطلقوا عليه مشروع النهضة طوال وجودهم في الحكم دون أن يقدموا لنا شيئا محترما).

ثانيا: ابتكار صيغ جديدة لمشاركة التيار الإسلامى في المشهد العام (لابد أن نذكر هنا أن اجتماع ٣ يوليو الذي ألقى فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى قرار عزل مرسي من السلطة، كان يريد أن يستوعب التيار الإسلامى كله وعلى رأسه الإخوان، ووجهت الدعوة بالفعل إلى سعد الكتاتنى بوصفه رئيسا لحزب الحرية والعدالة، لكنه رفض المشاركة، فعن أي صيغ للمشاركة سيتحدثون، إنهم يريدون أن يفرضوا رؤيتهم فرضا، دون أن يتقبلوا أي وجهات نظر أخرى).

ثالثا: إدارة الصراع مع المؤسسات الرسمية غير المنتخبة المنقضة على المشروع والتيار (تأمل ما يقولونه هنا إنهم لا يتورعون، وهم يتحدثون عن مشاركة ومشروع للمشاركة والإصلاح، عن أن يستهدفوا مؤسسات الدولة، وهذه طريقتهم ولن يغيروها أبدا، مهما حدث).

رابعا: تطوير أوضاع الصف الداخلى بسرعة تعلمًا من الدروس المستفادة، (وهنا لابد أن الجماعة كانت ترغب في الحفاظ على التنظيم أكثر من حرصها على مصر، وكانت تعرف جيدا أن تجربتها في السلطة التي قامت على الطمع، فرقت صفوف الجماعة، فأرادت أن توحد صفوفها الداخلية، ورأت أن الصراع يمكن أن يكون كفيلا بذلك).


 

ولأن المهام التي حددتها الوثيقة في حاجة إلى آليات وأدوات واضحة لتنفيذها، فقد حددت الوثيقة هذه الأدوات التي أطلقت عليها أدوات الفعل والتأثير والتواصل في الآتى: رسائل إلى أعضاء الجماعة، قنوات تواصل مباشرة وإعلامية عامة، مطلوب فورًا منافذ إعلامية «ثورية/ شبابيةً الطابع، تفاوض سياسي نشيط على قنوات متعددة، رؤية وأدوات قانونية، حشود بطريقة كرة الثلج متعددة ومتنوعة وفعالة، حملات دعوية وتربوية مكثفة للتأكد من استمرارية زخم الدعوة في قواعدها الأصلية.

ومن أدوات الفعل والتواصل إلى أدوات التأثير، والتي حددتها الوثيقة الإخوانية في الآتى: حملة واسعة للفكر والمراجعة عن التجربة منذ قامت الثورة، والدروس المستفادة والتطوير المطلوب، تشكيل رؤى واضحة لحركة الثورة والتنمية والنهضة والمشروع الإصلاحى بعموم الأرقام الصعبة في حسم الصراع إضافة إلى فكرة التقاسم بين التيارين.


 

وتصل الوثيقة إلى نقطة مهمة جدا من وجهة نظر الجماعة الإرهابية، وهى أن هناك مساحتين مهمتين تحكمان نجاح كل طرف في إدارة الصراع هما:

أولا: الشباب الثورى بأطيافه، وقدرة كل من الطرفين على استيعاب طاقته الثورية.

وثانيا: القدرة على تحقيق مكاسب حقيقية وحثيثة للجماهير الغفيرة.

ويبدو أن من كتب هذه الوثيقة حاول أن يبذل فيها عصارة فكره، فقد كان أمام مهمة كبيرة، وهى إعادة الإخوان إلى السلطة ورجوع مرسي، ولذلك استفاض فيما سماه مفتاح إستراتيجيات التفاوض.

وحتى يقدم لمن تلقفوا هذه الوثيقة مفتاح إستراتيجيات التفاوض فقد طرح عدة أسئلة وطالب بالبحث عن إجابات واضحة ومحددة لها، وكانت الأسئلة على النحو التالى: ما هي أسقف المطالب وحدودها الدنيا في إطار فكرة التقاسم؟، كيف نستفيد من نقاط القوة: خاصة الشارع والخارج، في التفاوض؟، ما الأطراف التي نتفاوض معها؟، وكيف نتوقع أن توزع الأدوار بينها، وما الأطراف الأخرى التي تشترك معنا في هذا التفاوض وكيف نوزع الأدوار بيننا؟.. وأخيرا ما هي ضمانات تنفيذ ما اتفق عليه؟.

وتعود الوثيقة مرة أخرى إلى النقطة الساخنة التي كتبت فيها، لتسأل عن الموقف الآن: أين يقف الصراع في هذه اللحظة؟.

وتأتى الإجابة: هناك طرف بطش بنتاج العملية الديمقراطية كلها منذ بدء الثورة، وأطلق عملية ملاحقة أمنية وتكسير عظام للتنظيم الأم الواقف في قلب الشرعية الشعبية، وأطلق أيضا حملة إعلامية في اتجاه واحد، مع سد القنوات الإعلامية للطرف الآخر، وقد أعلى هذا الطرف كثيرًا من سقف المواجهة مستفيدًا من زخم شعبى كبير، ثم بدأ يلوح بالتفاوض حرصًا بالدرجة الأولى على تحييد عنصر قوة الطرف الثانى الأساسية في الشارع، ولم يخف هذا الطرف أيضا قلقه الشديد من التصاعد التدريجى المتواصل ولو البطىء للحركة الشعبية على الأرض.


 

وتأتى الوثيقة على الطرف الآخر الذي قصدت به جماعة الإخوان، ومن وجهة نظر كاتبها أن هذا الطرف تلقى ضربة ذات شقين: انقلاب عسكري على الشرعية الديمقراطية التي وفرت له مكانًا في قيادة الدولة، وغطاء شعبى يمثل رفضًا لمواقف الإخوان واحتجاجًا على أدائهم خلال العام السابق.

وهنا تبحث الوثيقة عن وجه الفائدة فيما جرى رغم كارثيته على الجماعة، فهى دائما تبحث عن منافع أيا كانت قيمتها، تقول الوثيقة: من ناحية أخرى، هذه الضربة توفر للطرف الآخر فرصة توسيع القاعدة التي يستند إليها، لا فقط في إدارة الصراع الراهن، ولكن في عمله على الساحة المجتمعية الفترة القادمة إن شاء الله، إن أحسن التعامل مع الطاقات الثورية التي بدأت الانتفاض على انقلاب الأجهزة.

لم تكن هناك أي لحظة صدق في هذه الوثيقة، فمن كتبها مغيب تماما، لكن يبدو أن هناك لحظة صدق انتابته، فقال نصا: لا يتصور أحد رجوع الصورة إلى ما كانت عليه قبل ٣٠ يونيو، ولكن لا يقبل أن تتحرك إلى عملية إقصاء وتهميش كامل للطرف الإسلامى، وهنا تظهر أهمية اختيار اللحظة المناسبة للتفاوض بحيث تتزامن مع مستوى قوة عالية للطرف الإسلامى، فالقوة ليست فقط على الأرض، وإنما أيضا في المجتمع الدولى الذي ترفض أجزاء منه الاعتراف بمثل هذه الانقلابات على الشرعيات الديمقراطية.


 

لا بد أن نمسك بلحظة الصدق هذه، ليس إعجابًا بها بالطبع، ولكنها تكشف أن الجماعة قررت من اللحظة الأولى أن تستقوى على مصر بالقوى الخارجية، أشارت الوثيقة إلى أن القوة التي ستعتمد عليها جماعة الإخوان ليست القوة على الأرض فقط، ليست في الشباب الذين دفعتهم الجماعة دفعا إلى الموت تحت راية الشرعية الزائفة، ولكنها من اللحظة الأولى لم تخفض عينيها عن القوى الخارجية، التي أقنعوا أنفسهم أنهم يمكن التأثير عليها بأن ما حدث في مصر انقلاب على الشرعية، دون أن يضعوا في حساباتهم أن مصر ستبادر إلى إظهار الصورة الحقيقية، وأن العالم لن يظل أسيرا للصورة التي تروجها الجماعة وأتباعها في العالم كله.

لماذا أتحدث عن هذه الوثيقة الآن في سياق حديثى عن الأمن القومى المصرى، والمخاطر التي يواجهها، وهى المخاطر التي لا تهدد بقاءه، السبب ببساطة هو الكشف عن أن جماعة الإخوان ومن يعملون تحت مظلتها لديهم أكثر من طريقة للمواجهة.

في الحلقة السابقة أشرت إلى أن هناك سيناريو تعمل عليه الجماعة، وهو سيناريو المصالحة، صحيح أن هناك أجنحة داخل الجماعة ترفض مبدأ المصالحة، وتصر على المواجهة والانتقام من النظام ومن كل من عمل معه، لكن هناك من يعمل على ترويج الفكرة داخل الجماعة، على أساس أن المواجهة لم تؤت ثمارها، ولن تؤتى أبدا، وعليه بدأت ما يعرف بالمراجعات داخل السجون، ربما أملا في إدماج الجماعة داخل المجتمع المصرى مرة أخرى.

المخاطرة هنا، والمقامرة هنا أيضا، فالجماعة وضعت هدفا لها مبكرا، وهو تقاسم السلطة، لن تقول إنها ستعود، ولن تتمسك بمحمد مرسي، ولكنها تطمع في العودة مرة أخرى إلى المسرح السياسي، وترغب في أن تحصل على ما يعوضها.

هل يمكن أن تعتبروا الكشف عن هذه الوثيقة تحذيرا مما تخطط له الجماعة بكل مستوياتها، اعتبروها كذلك، فهى صرخة تحذير بالفعل، لأن هناك من يفكر في إتاحة الفرصة مرة أخرى لهذه الجماعة الشيطانية، يهربون من كلمة مصالحة، ويستخدمون كلمة احتواء، في محاولة لتمرير الخطة التي لن تكون في صالحنا أبدًا.

الثلاثاء القادم

كيف فشلت خطة تطويق مصر عربيًا؟