السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السيسي.. وحتمية المواجهة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلك الهجمة واسعة النطاق التى تتعرض لها مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى تحتاج لأن نناقشها اليوم وليس غدا، لأنها تستهدف ببساطة المشروع السياسى الذى أيدناه ونذرنا جهدنا الوطنى لتنفيذه أو «مشروع مصر الجديدة».
وبمقدار ما نقر، بل وبمقدار ما تكلمنا وكتبنا ما وسعنا الكلام أو استطعنا الكتابة، مؤكدين أن مصر تتعرض لمؤامرة حقيقية، وصفها السيسى نفسه أخيرا بأنها «جهنمية»، فإننا ينبغى أن نستعرض عددا من عناصر التقصير التى أدت إلى تفاقم الأخطار التى تواجهنا، وتعرض مصر من جديد لأخطار انهيار مؤسسات الدولة ودفع البلد إلى حالة من الفوضى لا يمكن الإحاطة بها أو السيطرة عليها، وأجمل تلك العناصر فيما يلى:
* أولا: السماح لبعض السياسيين والإعلاميين بالالتفاف حول الرئيس وادعاء أنهم الطبقة المهنية الجديدة المتحدثة باسمه وباسم نظامه، وقد ثبت أن أولئك كانوا أول المتآمرين عليه الذين حاولوا إعادة إنتاج سيناريو مؤامرة يناير ٢٠١١ مرة أخرى بنفس المنهج والتفاصيل، ويدهشنى ويغضبنى كذلك أن بعض الذين قاموا بتسويق هؤلاء وإقناع الرئيس بأن يكونوا حوله فى كل المناسبات استخدموا نظرية (الاحتواء) التى يؤكد أصحابها للرئيس أنهم بتقريب تلك العناصر إنما يأمنونهم ويحيدون خطرهم، والواقع أن ذلك لم يتحقق ولو بنسبة واحد فى المائة، وإنما حقق أولئك السياسيون والإعلاميون من خلال احتلالهم منصات مقربة من الرئيس أفضليات مكنتهم من مواصلة التآمر عليه وتعزيزه.
وصرنا نرى حول الرئيس عناصر لا تتمتع بمثقال خردلة من الشعبية أو القدرة على التأثير والنفاذ، وليس لديهم من العلم والموهبة والخبرات ما يجعلنا نشعر أن مشورته لهم سوف تعود على البلاد بأى نفع، فضلا عن أننا رأينا بأمهات عيوننا أنهم كانوا جاهزين للعودة إلى التآمر، ودمغ الرئيس شخصيا بأسوأ العبارات والأوصاف والشتائم، وكلنا يعرف أن الهيبة هى كشريحة شفافة تغلف شخصا أو مؤسسة أو نظام، وإذا تم كسرها أو خدشها فإنها لا تعود أبدا كما كانت.
* ثانيا: وبمفهوم المخالفة فإن الرئاسة كما قربت من لا يستحقون الاقتراب، فإنها أبعدت من هم جديرون بالاقتراب.
وقد عرفنا فى هذا السياق أشكالا عدة من الإقصار، منه الإقصاء على أساس سياسى يقوم على نفى وتجاهل وحصار وخنق كل من ظهر فى مشهد نظام حسنى مبارك، وبما أدى إلى فقدان الدولة جزءا لا بأس به من نخبتها المهنية والسياسية والفكرية، ودون معنى أو سبب إلا إطاحة كل من يستحق التقدم على حثالة يناير، وبشكل يحرص على أن يكون الإقصاء تحت غطاءات تبدو سياسية أو ثورية.
ثم إن هناك كذلك الإقصاء على أساس السن، بمعنى أن هناك تبنيا لفكرة عجيبة مؤداها أن هناك خطا أحمر تم رسمه ليفصل الذين بلغوا من العمر أربعين عاما أو تحتها عن الذين بلغوا من العمر فوق الأربعين عاما، وبحيث يبدو أن الدولة ترى أن من يستحق العيش فى ربوعها ويستأهل الفرص فى وظائفها ومقاعدها هم من تسميهم «الشباب».. ولكن من قال إن الشباب كان مضطهدا من قبل؟ ثم من قال إن إقصاء نصف الشعب (الذى تزيد أعماره على الأربعين) ودفنه حيا هو الذى سيصنع مجتمعا صحيا وصحيحا؟
أو ليس هناك ما يسمى (الخبرة)؟ أو ليس هناك ما يسمى (الموهبة)؟
وما الذى يمنع أن تتجاوز شقفات المجتمع كله مثل الفسيفساء أو الموزاييك لتصنع لوحة مصر الجديدة؟
ثم إن معظم قيادات الصف الأول فى بناء وهيكل الدولة المصرية بلغوا الستين أو شارفوا، ذلك الأمر الذى يشعرنا كمواطنين بأن هناك معايير مزدوجة تحكم هذا الأمر.
الدولة ينبغى أن تعيش وتسعى لتحقيق حلم شعبها ومشروعها السياسى بلا إقصاء، وإنما بكتلتها الجماهيرية الكاملة.
* ثالثا: الدولة الآن تتبنى موقفا جديدا بالبحث، وهو أنها تدخل معاركها بالنيابة عن الشعب، وذلك يعمق الهوة الفاصلة بين الجماهير والنظام على نحو خطير، إذ إن أى دولة فى مواجهة لا بد أن تكون وراءها جبهة داخلية قوية، ولكى تنشأ تلك الجبهة لا بد لنا أن ندرك استهدافاتنا بالضبط، ونحن بالعربى نستهدف بقايا الإخوان الإرهابيين وفلول الطابور الخامس، وحين أخط كلمة (فلول الطابور الخامس) فأنا أقصد بقول واحد عملاء النخبة وبلطجية المولوتوف والحجارة، وهليبة التمويل الأجنبى، وإرهابيى التطرف الدينى وأراجوزات التوك شو.
والدولة بصراحة لم تكمل جملة واحدة فى معركتها ضد أولئك، وامتلأ سجلها فيما يخص الطابور الخامس بالتسويف والتباطؤ والارتعاش والخوف والحسابات الخائبة.
وإذا كانت الدولة لم تعلن استهدافاتها فى المعركة التى تخوضها اليوم، فإن الناس إذن لن يعلموها ولا يجوز لنا أن نطالبهم بأن يشتبكوا مع أعداء لا يبصرونهم ولم نحددهم لهم.
* رابعا: هناك ظاهرة لافتة فى أداء الدولة المصرية تفسح الطريق أمام قوى شعبية كثيرة للغضب أو الشعور بالاغتراب إزاء النظام الوطنى، وهى أن الجامعة الأمريكية صارت هى المصدر الغالب لتعيين موظفى الرئاسة وخبرائها، ولا أعرف ما هى الرسالة التى تريد الدولة إخبارنا بها عبر ذلك التوجه؟ هل يعنى ذلك أن خريجى الجامعات المصرية لا مستقبل لهم؟ فإذا كان مستواهم لا يرقى لدرجات تلك الوظائف فلماذا لا نحسن مستواهم حتى يرتفعوا إلى مصاف خريجى الجامعة الأمريكية؟
وأنا لا أنتقد الجامعة الأمريكية فهى تقدم منتجا (بفتح التاء) بشريا ممتازا، ولكننى أناقش اقتصار معظم التعيينات عليها، مما يفتح الباب أمام إحساس فئة عريضة من الناس بالإقصاء الاجتماعى أو الثقافى.
هذه مسألة هامة ربما ترفع مستويات الغضب، وتسىء إلى سمعة المؤسسات العلمية الجامعية المصرية.
.................
نحن أيدنا الرئيس السيسى وساندنا مشروعه السياسى بكل ما نملك، لكن تلك القائمة الأولية من الأخطار هى بعض ما يتحتم عليه مواجهته، وإلا تعرضنا لأخطار كبرى، ومن موقع الحب والارتباط سنعزز تلك القائمة بعناوين تجب مواجهتها، وقد اضطررنا إلى تأجيلها لفترة طويلة، ولكن وقت الإفصاح والمطالبة جاء الآن وهو لا يحتمل تأجيلا.