الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القيامة.. درس في التعددية وقبول الاختلاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مفهوم التعددية هو مفهوم معاصرو ومع ذلك فإن مع القراءة المتأنية للكتاب المقدس نجد هذا المفهوم متجذرًا وعميقًا. فقصة الخلق تبدو أبعادها نموذجًا للتعددية، كما أن التنوع الذى يشكل الإنسان والحيوان والنبات والمكان فيه بعد أساسي مهم لمفهوم التعددية. 
كما أن الإعلان الإلهى المتمثل عبر العهدين القديم والجديد عن تنوع الأساس اللاهوتى لهذا المفهوم. النظرة العميقة للعهد القديم تؤكد على مفاهيم مهمة متعلقة بقضية التعددية. 
فالمساواة بين البشر مهمة لإعادة التوازن بين البشر. وأيضًا النبوات المتعددة التى هاجمت بشراسة الظلم والفقر الانفراد بالسلطة والمال والنفوذ تمثل نقطة تحول مهمة فى التأثير على المساواة والتعددية. 
كما أن اختيار رجال ونساء من خارج الشعب للقيام بمهام مقدسة فى العهد القديم تعطى بعدًا جديدًا للتعددية. 
وعلى صعيد العهد الجديد، ومع بداية خدمة السيد المسيح كان الآخر المختلف حاضرًا دائمًا فى معجزة إقامة ابنة يايرس من الموت (مر٨: ٤١- ٤٢، ٤٩-٥٥)، وكذلك شفاء المرأة الكنعانية (مت ١٥: ٢٢- ٢٨). وكلاهما يعد غريبًا، يجب تحاشيه وربما تجاهله وتهميشه، إلا أن السيد مد يد الرحمة للجميع.
كما نرى فى العهد الجديد صراعًا حول اتجاه بولس لخدمة الأمم ومواجهة العادات والتقاليد والطقوس التى تعوق التعددية وقبول الآخر، وهذه مبادئ مهمة فى دراسة التعددية من خلال هذا الطرح الكتابى لمفهوم التعددية يمكننا الاعتقاد بأهمية التنوع مع ضرورة البحث من الأرضية المشتركة وكذلك قبول الاختلاف.
فى موت السيد وقيامته تمت إزالة حائط العداوة بين البشر، لذا يقول الرسول بولس: «وَلكِنِ الآنَ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِى جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِى فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِى نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِى جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِى رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ. فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ» (أف ٢: ١٥)
ونحن نحتفل بذكرى قيامة السيد المسيح هذه الأيام أؤكد أن السيد المسيح مات وقام، ليزيل العداوة بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، حتى لا تكون التعددية طريقًا لخلاف بل بالحرى تكون وسيلة للثراء والغنى، وتكون أساسًا لمشاركة مجتمعية أكثر فاعلية. فالله خلقنا بنفس القيم، واختلافنا يجعلنا نكمل بعضنا البعض لا نفترق عن بعضنا البعض. وهذا ما يصوره الرسول بولس فى مثال الأعضاء المختلفة والحسد الواحد إذ يقول:
لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا. فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّى لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا، فَأَيْنَ الشَّمُّ؟ فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِى الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. (١ كو ١٢: ١٢، ١٤، ١٥، ١٧، ٢٠، ٢٥، ٢٦)
ونهاية ومن منطلق روح القيامة، أؤكد أن التعددية تمثل أساسًا مهمًا للعيش المشترك. فالجذور الكتابية واللاهوتية تؤكد أهمية التعددية كأساس للبقاء والتنوع، فالكتاب المقدس يؤكد الإعلان الإلهى من خلال تنوع رائع بل إن الخليقة تعكس تعددية مؤهلة. ولعل حياة السيد المسيح تمثل نموذجًا مهمًا فى قبول الآخرين. بل إن الجميع لهم مكان معه. وعلى المستوى السياسى والاجتماعى والثقافى، فإن التعددية هى أرضية للعيش المشترك وحينما تغيب عن الدولة التعددية يتولد الصراع وتتعمق الطبقية، وتصبح الأحادية والهيمنة أساس الوجود لذا أصبح من الضروري، فلا سلام ولا تقدم ولا عيش مشترك بدون التعددية. 
وفى ذكرى القيامة، نصلي، لمصرنا الحبيبة، أن يعم السلام أرضها، ونصلى للمصريين شعبًا وقيادة أن يملأ الله قلوبنا بالسلام والأمان والاطمئنان.
رئيس الطائفة الإنجيلية