الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

#حلب_تحترق.. إبادة البشر والأثر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إبادة جماعية لأهل حلب
استيقظ العالم صبيحة اليوم الجمعة، على كارثة مروعة ومجزرة لم يُشهد لها مثيل في بلاد العرب من قبل، إنها عملية إبادة منظمة لمدينة حلب على نطاق كبير، فقد شاهد العالم اليوم صور الأطفال والشيوخ والنساء الذين قطعت أطرافهم وتهشمت جماجمهم وسالت دماؤهم وتحولت بيتوهم إلى قبور لهم بعد أن قصفها طيران لا يعرف الرحمة ولا يفرق بين كبير أو صغير، مسلح أو أعزل، ولا يعرف للآدمية سبيلًا، طيران يلقي بنيران الحقد والغل فيتجسد فيه كل أشكال الفاشية التي عرفها العالم والتي لم يعرفها بعد، ما حدث اليوم بحلب جريمة حرب في كل الأعراف والمواثيق الدولية، شعب سوريا الجريح لم يكد يلتقط أنفاسه ويرتاح قليلًا من إرهاب داعش وجنوده، حتى تلقفته غارات طيران تضرب المدنيين العزل دون هوادة أو رحمة، على مرأى ومسمع من أجهزة الإعلام العالمية، ولا أحد يحرك ساكنًا، فتحولت المدينة ذات الطابع التراثي والتاريخي إلى مقبرة جماعية كبيرة على رءوس أهلها وقاطنيها، كما مُحيت معالمها الأثرية التي تشهد على أصالة وعراقة الزمان والمكان، ولسان حالنا "لكم الله أهل حلب، أهل سوريا.. فلا حيلة لنا إلا الدعاء".


تاريخ المدينة
تعدّ حلب من أقدم مدن الدنيا وكانت من أكثر المدن السورية عمارة وجمالا قبل أن يدمرها الصراع، تقع المدينة في أقصى الشمال الغربي من الهضبة السورية الداخلية ويخترقها نهر صغير هو نهر قويق.. يعود تاريخ حلب إلى القرن العشرين قبل الميلاد، عندما نشأت فيها مملكة عمورية عرفت باسم يمحاض، وكان لها علاقات ودية مع مملكة ماري وقطنا وكركميش، وفي نهاية القرن السابع عشر قبل الميلاد دمر الملك الحثي مرشيل حلب عند استيلائه على شمال سوريا؛ ثم تناوب عليها الحثيون والميتانيون قبل أن تستقر تحت السيطرة الحثية سنة 1430 ق. م، ولم تنتهِ هذه السيطرة إلا بنهاية سيطرة الحثيين على الأناضول في القرن الثالث عشر ق. م.
بعد ذلك بسط كل من الآراميين والآشوريين والفرس نفوذهم على منطقتها دون أن يعطوا المدينة أهمية تذكر، واستمرت كذلك، إلى أن قامت الدولة السلوقية، عندما بنى سلوقس نيكاتور الأول في موقع حلب مستعمرة مقدونية أطلق عليها اسم "بيرويا"، ورغم عدم أهميتها الإستراتيجية لدى السلوقيين، إلا أن المدينة الناشئة استفادت من ازدهار المدن الرئيسية كـأنطاكية وأفاميا واللاذقية وسلوقيا لتصبح مركزًا تجاريًا هامًا في شمال وشرق سوريا.
استولى الرومان على بلاد الشام سنة 64 ق. م، حيث نعمت حلب بحقبة طويلة من السلم تحت سلطتهم، وأنشأ الرومان فيها أسواقًا وساحة عامة واسعة وشارعًا عريضًا ذا رواق بأعمدة من الجانبين.. استمر ازدهار المدينة في العهد البيزنطي حيث وُجدت فيها طائفة مسيحية كبيرة قديمة العهد، كما استقر فيها الكثير من اليهود وغيرهم، وذلك لتمتع المدينة بحياة اقتصادية ناجحة ومزدهرة.
شكل الغزو الفارسي سنة 540م ضربة قاصمة لحلب، فقد أحرق الفرس المدينة، ولكن القلعة التي لجأ إليها الأهالي ثبتت لهجمات الغزاة، أعاد الإمبراطور جوستينيان الأول بناء مواقعها الدفاعية، وبنى فيها كاتدرائية جميلة، ولكن تهديد الفرس المستمر حال دون ازدهار المدينة من جديد.


الفتح الإسلامي لحلب
في عام 16هـ/637م وصلت قوات المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح إلى ضواحي حلب، فحاصرتها، ولم يلبث أهلها أن طلبوا الصلح والأمان فأعطوا ذلك، أضيفت حلب وقنسرين إلى جند حمص، عند تقسيم الشام إلى أجناد على يد الخليفة عمر بن الخطاب؛ ثم فصل معاوية بن أبي سفيان حلب وقنسرين عن حمص وأصبحت حلب تابعة لقنسرين، ولم يكن لحلب شأن إداري وسياسي في العهد الأموي، رغم أن ابن العديم يذكر أن الخليفة سليمان بن عبدالملك بنى أول مسجد جامع في حلب، ويحكى أنه كان يضاهي مسجد دمشق من حيث روعة زخارفه ونقوشه وأن الخليفة جهد أن يكون معادلًا لعمل أخيه في دمشق، وبانتقال الحكم إلى العباسيين فقدت دمشق مكانتها كعاصمة للدولة الإسلامية وتراجعت اقتصاديًا، ولكن حلب بدأت أهميتها تزداد شيئًا فشيئًا حتى صارت حلب من أهم مدن شمال سوريا في العصر العباسي، وفي النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ضمها أحمد بن طولون إلى ولايته المصرية، ثم عادت حلب تابعة للخليفة سنة 284 هـ، وفي عام 325 هـ/936م دخلت الشام بما فيها حلب ضمن أعمال والي مصر المعروف بـالإخشيدي.
المواقع الأثرية والتراثية بحلب
تشتهر محافظة حلب بمناطقها الأثرية الكثيرة المنتشرة في مدن وبلدات المحافظة والتي تدل على عظمة وعراقة هذه المدينة كأهم مدن الشرق كما قال عنها الكثير من المؤرخين والرحالة فهي مفتاح الشرق وبوابته، ومن المواقع الأثرية في حلب:
قلعة حلب
قلعة حلب كانت حصنا تعاقب على أشغاله الحثيون والآراميون والسلوقيون والرومان والبيظنطيون تتحلق مدينة حلب حول رابية تعلوها قلعة مرتفعة تشرف على المدينة من جميع جهاتها، وهذه القلعة العربية الإسلامية هي من أشهر قلاع العالم، وما لا شك فيه أنها أقيمت على أنقاض قلاع متتابعة قديمة، فلقد كانت الرابية المرتفع الأكثر أمنًا لإقامة المقر الحكومي المحصّن لمدينة حلب عبر تاريخها الطويل جدًا.. يعود تاريخ بناء أهم أقسام القلعة إلى عصر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي وكان ولاه عليها سنة 1190م، فلقد حصّن مدخلها وبنا على سفحها جدارًا، وحفر حولها الخندق، وشيد في داخلها مسجدًا وعددًا من القصور، وكانت زوجه ضيفه خاتون، التي صارت ملكة حلب، تعيش في أحد قصور القلعة، وفيها دفنت، وفي صبيحة يوم الأحد 12 يوليو 2015 فجرت القوات النظامية السورية نفقا حفرته قوات المعارضة تحت سور قلعة حلب الأثرية ما أدى لانهيار جزء من سور القلعة الشهيرة.


الجامع الأموي الكبير 
جامع حلب الكبير أو الجامع الأموي أو جامع بني أمية هو أكبر وأحد أقدم المساجد في مدينة حلب السورية، أصبح جزءا من التراث العالمي منذ عام 1986، شيدت مئذنة المسجد في عام 1090 ودمرت في أبريل 2013 نتيجة للمعارك التي اندلعت هناك خلال أحداث الحرب وقصف قوات النظام السوري للمواقع الأثرية دون تفريق.
أمر الوليد بن عبدالملك بتشييده، ويُعد رابع أشهر المساجد الإسلامية بعد حرمي مكة والمدينة والمسجد الأقصى، كما يُعد واحدًا من أفخم المساجد الإسلامية، وأحد عجائب الإسلام السبعة، يعود تاريخ المسجد الأموي في سوريا إلى 1200 سنة قبل الميلاد، حيث كان هذا المكان معبدا للإله "حدد الأراني"، إله الخصب والرعد والمطر، وعندما دخل الرومان إلى دمشق أقاموا فيه معبدا للإله جوبيتر، وما زالت أطلاله باقية من منطقة سوق الحريم وحتى منطقة القيمرية. وعندما دخلت روما في المسيحية أقيم في المنطقة الغربية الشمالية من مكان المعبد كنيسة يوحنا المعمدان، ولما دخل المسلمون إلى دمشق، جرى اقتسام موقع الكنيسة إلى قسمين: القسم الشرقي أصبح للمسلمين والقسم الغربي للمسيحيين. وعندما تولى الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك سنة 86هـ الخلافة أراد أن يبني مسجدا جامعا ليس له مثيل في الشرق، ورضي المسيحيون ببيع النصف العائد لهم مقابل كنيسة حنانيا وحقوق أخرى، وبدأ الوليد بالبناء فاستفاد من ما هو موجود، وحول الموجود إلى شكل إسلامي، وكساه وزينه بالفسيفساء والمنمنمات والنقوش وأفضل ما زينت به المساجد في تاريخ الإسلام. وفي المسجد الأموي أول مئذنة في الإسلام المسماة مئذنة العروس وللجامع تاريخ حافل في كل العصور قبل الإسلام وفي العصر الإسلامي.


قلعة نجم
قلعة أثرية قديمة في منطقة منبج من محافظة حلب. أعاد بناءها نور الدين محمود بن زنكي، بعد الزلازل التي ضربت المنطقة الشمالية، كانت معبرًا للقوافل والجحافل بين العراق وبلاد الشام والجزيرة العليا. مجمل آثارها الباقية ترقى للعصر الأيوبي أيام الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، ثم ابنه الملك العزيز غياث الدين محمد، بعده حفيده الملك الناصر أبوالمظفّر يوسف، ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان، وكذلك الرحّالة ابن جبير. وقد تعرضت القلعة في عام 1820 إلى تخريب أخير على يد السلطات العثمانية حيث جرى قذفها بالقنابل أثناء مطاردة إحدى العشائر واحتمت واعتصمت بالقلعة رفضت دفع الضريبة للحكومة العثمانية. وبعد بناء سد تشرين اصبحت القلعة تطل على مياه البحيرة التي تشكلت وراء السد واضفت على القلعة المطلة عليها جمالًا خلابًا.


مغارة الديدرية
لم يكن الكثيرون يعرفون شيئًا عن هذا الكهف سوى بعض القرى المجاورة له حيث كان الرعيان يستخدمونه إسطبلًا لماشيتهم، ولكن هذا الكهف المجهول دخل التاريخ من أوسع أبوابه، وذلك حين قامت البعثة الأثرية السورية اليابانية المشتركة التي بدأت بنقيباتها فيه عام 1987 حيث اكتشفت على عمق 3 أمتار تحت مستوى سطح الأرض العديد من الأدوات الصوانية العائدة إلى الحضارة اليبرودية التي قامت قبل نحو 300 ألف سنة كما عثرت البعثة على بقايا لهياكل عظمية لثلاثة أطفال نياندرتاليين يعودون إلى فترة الحضارة الموستيرية التي استمرت نحو 1000 عام. كما تبين وجود العديد من المكتشفات المهمة فقد عثر فيها على أكثر من خمسين كهفًا وملجأً أثريًا، تنتشر في عدد من الوديان التي تقطع الجبل، إضافة إلى العثور أيضًا على آثار إقامة إنسان العصر الحجري بمختلف مراحله، وكان كهف الديدرية هو الأضخم من بينها جميعًا، وتبلغ أبعاده 60 15 م وارتفاعه 10 أمتار.


قلعة دير سمعان
اختار القديس سمعان هذا المكان المنعزل، بقصد التقرب إلى الله للعبادة جريا على عادة الرهبنة. ولد سمعان أو سيمون نحو عام 368 للميلاد في بلدة "سيس" القريبة من مدينة أضنة الحالية في تركيا. كان في صغره راعيًا للماشية، وانضم في ريعان شبابه إلى جماعة من النساك قرب "سيس"، وبقي معهم مدة سنتين، ثم انتقل إلى منطقة دير تلعادة جنوبي جبل شيخ بركات وأمضى هناك عشر سنوات في الصلاة والتقشف، حيث كان يتناول الطعام مرة واحدة في الأسبوع، فطلب منه مغادرة الدير لشدة أذاه على نفسه، فلجأ في عام 412 م إلى بلدة تيلانيسوس "دير سمعان" الحالية وعاش فيها ثلاث سنوات، وصام هناك أربعين يوما دون أن يأكل أو يشرب، إلى أن أصبحت عادة لديه. ثم أرتقي إلى قمة الجبل وربط نفسه هناك بسلسلة حديدية إلى صخرة، وراح الناس يقصدونه من كل حدب وصوب، فبنى لنفسه عمودا ليقيم عليه تلافيا لازدحام الناس وتقربا إلى الله، وظل يعلي العمود بين الحين والآخر إلى أن وصل ارتفاعه إلى 16 مترا، وأمضى عليه اثنين واربعينعاما لحين وفاته وهو على عموده سنة 459 م، وخلال الحرب الدائرة بسوريا قامت مجموعات مسلحة مقيمة في الموقع بإنشاء جدران قرميدية داخل القلعة وسدت كل الواجهات القديمة التي تعرف باسم غرف تشالنكو من جهة الغرب ومنعت الدخول والاقتراب من القلعة حتى للسكان المحليين.


برج الساعة باب الفرج
يقع هذا البرج بالقرب من باب الفرج وهو أحد أبواب حلب القديمة فإلى الشرق منها يقع مسجد "بحسيتا" تعتبر ساعة أو منارة حلب كما يسمونها من المعالم التاريخية الجميلة من حيث موقعها السياحي، وطرازها المعماري الفريد من نوعه، بحيث تحتلّ بقعة من أكثر بقاع المدينة جمالا ونشاطًا وتسمى هذه البقعة ساحة باب الفرج. تعد ساعة باب الفرج مركز لمدينة حلب وفيها باب أنشئ في عهد الملك الظاهر غازي ولقد هدم عام 1904 م ولم يبقى إلا برجه الجنوبي.

أسواق حلب القديمة 
تعود أصول أسواق حلب إلى القرن الرابع قبل الميلاد حيث أقيمت المحال التجارية على طرفي الشارع المستقيم الممتد بين القلعة وبباب انطاكية حاليًا وقد أخذت الأسواق شكلها الحالي مطلع الحكم العثماني. وقد كانت تجارة حلب القديمة متمركزة في الأسواق والخانات التي كانت يسميها الحلبيون بالمْدينة، وتعتبر أسواق حلب من أجمل أسواق مدن الشرق العربي لما تمتاز به من طابع عمراني جميل إذ تتوفر نوافذ النور والهواء فتؤمن جو معتدل لطيف يحمي من حر الصيف ومن أمطار وبرد الشتاء.