الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ظرفاء في حياتى!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بينما كنا طلبة بالأكاديمية البحرية ننتظر فى أول أيام السنة الدراسية أن يدخل علينا المحاضر قاعة المحاضرات لأول مرة فوجئنا به يدخل علينا فى ميعاده يخطو بخطوات سريعة عسكرية ثم استدار وألقى علينا التحية بمنتهى الجدية، وصمت وهو يتفحصنا ببصره، وصمتنا ونحن نحاول أن نقرأ ما يدور بذهنه، وأطال الصمت بصورة جعلتنا نشعر بمزيج من القلق والريبة إلى أن قال لنا بحزم: اسمى الدكتور باهر ألبرت برسوم سلامة وسأدرس لكم فرعاً من فروع علم الرادار البحرى، غير أنى سأحدثكم أولاً عن أشياء تستاء منها نفسى لتتجنبوا ما قد يتسبب فى استفزازى حتى لا يحل عليكم غضبى ومن ثم تتعرضون لعقابى.
استطرد بعد ذلك قائلاً: أنا لا أحب الطالب الذى يتابعنى جيداً بأذنيه فى الوقت الذى لا يلتفت إليَّ فيه بعينيه، سيفاجأ هذا الطالب بأننى أسأله عما قلته.. فلما يجيبنى سيفاجأ برغم إجابته بأننى أعاقبه!.. ذلك لأنه لا يعجبه شكلي!.. مع أن شكلى أحلى من شكل عبدالحليم حافظ!.. «فضحكنا ولم يضحك.. بل تجهم!». ثم قال مستطرداً: وأنا لا أحب الطالب الذى يلتفت إليَّ جيداً بعينيه بينما لا يتابعنى بأذنيه، سيفاجأ هذا الطالب بأننى أسأله عما قلته.. ولما يجيبنى بصمته سيفاجأ بأننى أعاقبه ليس لأجل ما فاته من كلامى وإنما لأنه لا يعجبه صوتي!.. مع أن صوتى أحلى من صوت أم كلثوم! «فضحكنا ولم يضحك.. بل تجهم!». كان ما قاله لنا فى تلك المحاضرة كفيلاً بأن يجعلنا دوماً عيوننا إليه ملتفتة وأسماعنا إلى أقواله منتبهة وأذهاننا فى محاضراته متقدة، واكتشفنا بمرور المحاضرات أن القناع الذى غطى به وجهه فى أول محاضرة يخفى قلباً طيباً ووجهاً ذا ابتسامة دائمة! فصار احترامنا له طاغياً على مهابتنا منه. كان عُمر ابنى إياد يزيد قليلاً على ثلاث سنوات حينما كان يستعد للسفر مع أخيه وأمه إلى حيث منزل جده لأمه.. ولأننى كنتُ أعرف أنه يُنادى بأيودة فى بيت جده قلت له قبل سفره: إن نُوديت فى بيت جدك بأيودة فقل لمن يناديك بهذا الاسم: «مين أيودة ده؟!.. أنا اسمى إياد»، وأخذت أشرح له ببساطة كيف أن أبوه اختار له اسماً جميلاً يحمل الكثير من معانى القوة المحمودة، وقلت له: لا تفرط فى اسمك بسهولة فكم من أناس كانت أسماؤهم جميلة وهم أطفال كمحمد وعبدالرحمن ثم صارت للأسف بسبب دلع الناس «حمادة» و«عبده»، ولم أكف بعد ذاك عن أن أذكّره بذلك من خلال أكثر من اتصال.
لبث إياد فى بيت جده بضعة أيام، فلما عاد قلت له: «أهلاً يا إياد.. واحشني».. ففاجأنى بأن قال مازحاً بينما كان وجهه باسماً: «مين إياد ده؟!.. أنا اسمى أيودة»! بينما كنت ذات يوم أقف مع امرأة هندية تصطحب ابنتها الشقية أمام باب مكتبى فى إحدى الدول العربية، كانت البنت تقف بجوار قصارى الزرع تعبث بسرور بما فيها من زهور، فلما هَمَّت أمها بالرحيل قلت لها وأنا إلى ابنتها أشير: أرجو أن تتركى لنا هذه الزهرة لنضيفها إلى زهورنا!، فقالت: ولكن هذه ليست زهرة، وإنما قردة!، ولكى تحتفظوا بها يجب أن تزرعوا لها عندكم شجرة!لا قيمة للحياة إذا زالت الابتسامة من فوق الشفاه، ومن المفيد فى بعض الأحيان أن يجتر الإنسان مثل هذه المضحكات لتمنحه طاقة تتصف بالإيجاب تعينه على بذل الجهد ومواصلة العمل ومقاومة السآمة والملل.. بل إنى أميل إلى تصديق ما قاله المفكر أحمد أمين: يستطيع الناس الاستغناء عن ثلاثة أرباع ما فى الصيدليات بالضحكات، فضحكة واحدة فقط لا غير خير من حبة إسبرين.