رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دماغ أنور السادات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس عيبا أن نقف مع النفس لنُراجع مواقفنا السابقة، وليس مُخجلًا أن نُعيد النظر فى أمور رأيناها، وظروف عايشناها، وأحداث مرت بنا.
العيب هو أن نتترس على مواقف، ونتعصب لتصورات، وننتصر لما اعتقدناه بغض النظر عما يتراءى لنا بشأنه. وأنور السادات وسلامه ومواقفه ومبادرته وما قاله وما قدم يجب أن نُعيد قراءته فيما جرى وما يجرى حولنا، لنعترف بهدوء وحكمة وروية أن الرجل كان سابقا لعصره، وأنه قدم عملا لا كلاما، وترك إنجازا لا شعارًا. 
فى ذكرى تحرير سيناء نتذكر ذلك الدماغ المُعجزة الذى شذّ عن أفكار القولبة، وأطلق النار على نظرية المؤامرة الغربية، والمخطط الاستعمارى، ومسح خطابًا تحريضيا لا واقعيا ورثته مصر من حقبة عبدالناصر. 
لقد أعاد الرجل سيناء وفق مخطط واقعى اعتمد على تنفيذ حرب تحريك، يُطلق من بعدها مُبادرته للسلام ليُنبئ العالم كُله أن المصريين شعب مسالم، مُتحضر، لا يحمل الكراهية للغير، ويطلب حقوقه بلا مُقابل. وأيا كانت مواقف المثقفين من زمن السادات وسياساته فإن عليهم أن يعترفوا أن الرجل نفّذ وقدّم خيرا لمصر استفادت منه أجيال وأجيال، وانتفعت به شعوب ودول حولنا. لقد أنهى الرجل قوانين مزيفة سكبوها سكبا فى نفوسنا ترى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وفتح الرجل نوافذ مصر لثقافات وصداقات الدول شرقًا وغربًا بحثا عن حيوات أفضل للمصريين فى ظلال سلام واقعى وعملى. 
ورغم اتهامات الخيانة والعمالة التى لاحقت الرجل فى حياته، وبعد رحيله فإن عين العقل ترى الآن أنه كان أكثر وطنية من مطلقى الاتهامات، وأنه أكثر نفعا لمصر من جحافل من الحنجوريين السّذج الذين يقولون ما لا يقدرون، ويصبون الفخر والترفع على الناس بلا معنى. ويكفى الرجل أنه أعاد لنا ٦٧ ألف كيلو متر مربع دون قتال وضحايا وفزع ورصاص ووجع وشهداء وأرامل.
لقد حكى لى السفير ياسر رضا سفير مصر بواشنطن، وقد خدم من قبل لمدة أربع سنوات كسفير فى إسرائيل، أنه قام بتأجير شقة فى تل أبيب من أحد اليهود ففوجئ بمالك الشقة يحضر محاميا ويُعد عقدا من عدة صفحات، ثم استغرق نحو شهر كامل لدراسة التعاقد قبل أن يوقع عليه، وهو ما يعنى حرصهم على التشكك وعدم التنازل عن أمر ما بهدوء وبساطة، حتى لو كان سيحصل على مقابل له. ثُم علّق السفير على الواقعة بأن السادات كان عبقريا لأنه استرد كامل أرض سيناء بدون أن يدفع مقابل سوى بضع كلمات. 
لقد كان الراحل العظيم حصيفا، وذكيا، وواعيًا بظروف لعبة السياسة، وهو ما يدفعنا أن نضع وردة من المحبة على قبره فى ذكرى تحرير الأرض، معترفين بخطيئة اللعن والسب لرمز وطنى نادر. 
والله أعلم.