رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جاهلية القرن العشرين "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك فى كون من يقرأ هذا المصطلح «جاهلية القرن العشرين» أو يسمع عنه، فسوف تذهب به الظنون مذهبها، ويطيش عقله فى أفكار شتى، ولهذا وقبل أن تسرح العقول منا، لا بد من التأكيد على أن هذا المصطلح الخبيث، ليس من عندى أو من تأليفى، وإنما هو مصطلح ابتكره واخترعه مخبول التكفير فى العصر الحديث «سيد قطب»، ليدلل به على ما يحويه قلبه، من غلٍ وحقدٍ على البشرية بأكملها، للدرجة التى كفّر معها العالم كله فى القرن العشرين بمجمله!.
وزاد على ذلك أخوه الهالك «محمد قطب»، فأخذ المصطلح الخبيث، فصنع له كتابًا كاملًا عنونه بالمصطلح نفسه «جاهلية القرن العشرين»! ليؤكد من خلال كتابه السيئ على ما كان يعتقده أخوه من كفر العالم أجمع فى القرن العشرين!.
والحقيقة، وقبل أن يتوقف اندهاشك– أيها القارئ المكرم- أحب أن أزيدك من الشعر بيتًا وأزيد عجبك عجبًا يفوقه، واندهاشك ما هو أعظم منه، ذلك أن «سيد قطب» لم يكن يكفّر القرن العشرين وحده، بل ولا القرن التاسع عشر، بل إنه كان يكفر قرونًا كثيرة سابقة على ذلك بما لا يمكن لخيالك مهما كان جامحًا أن يصل إليه!.
وللحقيقة أيضًا، فإننى ومنذ مدة ليست بالقريبة، وحين بدأت أغوص فى دراسة «سيد قطب» والبحث والتنقيب فيما كتبه، وقعت عيناى فى بداية الأمر على هذا المصطلح «جاهلية القرن العشرين»!، وتصورت حينها وللوهلة الأولى– والنظرة الأولى كما يقولون: حمقاء!- أن «سيد قطب» وسبب اعتقاده المنحرف والخاطئ كان يعتقد بكفر المسلمين فى الدنيا بسبب سقوط الخلافة العثمانية فى عشرينيات القرن العشرين، وذلك أن اعتقاده –وكما سيأتي- هو ربط الإسلام بالحكم، بمعنى أن إسلام الناس متوقف على من يحكمهم، فإذا كان من يحكمهم مسلمًا «والذى لا يكون إلا إخوانيًا!» كان الناس مسلمين، وإن كان الحاكم ليس إخوانيًا «وهو ما يخرجه من الإيمان إلى الكفر بلا شكٍ عنده» كان الناس والمجتمع كافرين!
كان ظنى أول الأمر أنه ربط بين إسلام الناس وبين سقوط الخلافة العثمانية، ولكننى ومع زيادة البحث، وجدته يشير فى مواضع مختلفة من كتبه إلى أن الإسلام غير موجود منذ قرون فى الدنيا، وأن كل أهل الدنيا قد أجمعوا على الكفر منذ مئات السنين!!. 
وكعادة النظرة الأولى، تصورت كذلك أن اعتقاده المنحرف، قد حمله على تكفير الخلافة العثمانية ذاتها، لما كانت عليه من جهل وخرافة أديا فى الآخر إلى ضعفها وسقوطها!.
لكننى ومع المزيد من البحث والوقت والجهد، بدا لى ما لم أكن أظن أننى سأجده، أو أتصور أو أتوقع أن يصل إليه انحراف «سيد قطب» وجماعته من غلوهم فى التكفير، ذلك أن المفاجأة كانت قوية وصادمة لدرجة لم أكن لأتخيلها بحال.
وذلك أنى وقعت فيما قرأت على نصٍ يؤكد من خلاله «سيد» أن الإسلام العظيم قد انتهى من الوجود، ولم يعد له أثر فى الدنيا، وأن المسلمين قد اختفوا من العالم ساعة أن تنازل الحسن بن على -رضى الله عنهما- لمعاوية بن أبى سفيان – رضى الله عنه- عن الحكم، وبداية حكم بنى أمية، وأن الإسلام ظل عدمًا تلك القرون المتطاولة، وأن الإسلام لم يتواجد فى الدنيا سوى أربعين عامًا، ثم اختفى، حتى بعث الله «حسن البنا»!! فأنشأ الإسلام مرة أخرى من العدم!!.
قد يكون هذا صادمًا، ولكنها الحقيقة التى لا يستطيع أحد إنكارها، لأنها ما خطه «سيد قطب» بيده الآثمة الظالمة!
نعم.. إن الحقيقة هى أن «سيد قطب» والذى كان مجرد كاتب وناظم لاعتقاد الإخوان واعتقاد مؤسسها «حسن البنا»، كان يرى أن الكفر قد أطبق على البشرية منذ عشرات المئات من السنين، وأن الإسلام كان قد اختفى تمامًا من الدنيا حتى جاء المبعوث الإلهى لإنقاذ البشرية «حسن البنا»! ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الجاهلية إلى رحابة الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد!!
فــ«سيد قطب» ومن ورائه الإخوان، كانوا ولا يزالون يعتقدون، لا بجاهلية القرن العشرين فقط، ولا بكفر كل البشرية فى هذا العصر فقط، وإنما يعتقدون بكفر العالمين منذ بداية حكم الدولة الأموية وإلى يوم الناس هذا، ويعتقدون كذلك– اعتقادًا جازمًا!_ بأن المسلم هو فقط من يكون إخوانيًا، وأن غير الإخوانى غير مسلم، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم!.
وكذلك يعتقدون أن المجتمعات الإنسانية كلها هى مجتمعات جاهلية مرتدة وكافرة، ما لم تحكم على نفسها الإخوان المسلمين، أو ترضى بحكمها، فإن فعلت فهى مجتمعات مسلمة وإن تجمعت فيها كل شرور وفجور الدنيا!
وفى المقابل فإن المجتمعات التى لا تقبل بحكم الإخوان أو ترضخ له هى مجتمعات كافرة، مرتدة وجاهلية، حتى ولو كانت أنقى شعوب الدنيا، وحتى ولو كانت مجتمعات المدينة الفاضلة!.
ذلك أن الإيمان والكفر عندهم، مرتبط بلا شك بالحكم والحاكمية، لا بالقلب والاعتقاد، ولا بصالح الأعمال أو إخلاصها، وهو أمر تؤكده كتبهم، ويكشفه واقعهم وإجرامهم.
ولا يزال هنالك المزيد مما سنبينه– إن شاء الله- فى المقال القادم.. وفى الأسبوع القادم للحديث بقية.. إن شاء ربُّ البرية.