الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

هزيمة العرب النفسية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بماذا تسهمون في الحضارة الإنسانية؟ سؤال يواجه به العربي، في إشارة واضحة جلية أنه عالة على تلك الحضارة الحديثة، مستهلك لها مستخدم جانبها التكنولوجي دونما أن يكون له أي دور في التصنيع فضلا عن الابتكار والاختراع، وهو سؤال يقف أمامه العربي عاجزًا عن تقديم إجابة مقنعة على محاوره المتعددة، حيث إن المحور الأول وهو أنه بالفعل لم يسهم في هذا التطور الحضاري بأي سهم، ولا يجد من الإفلات بالإجابة بالنفي مناصا، ليدهمه السؤال التالي: لماذا لم يكن لديك القدرة على التفاعل ولو بسهم بسيط في هذا التطور التكنولوجي؟ ليجد نفسه عاجزًا عن تقديم أي مبرر، فيلجأ إلى اصطناع أسباب اصطناعا، لا تستطيع بالمجادلة أن تصمد أمام الحجج الدامغة، ليجد نفسه في النهاية محاطًا بهزيمة نفسية أكثر منها مادية، وأظن أن هذه الهزيمة هي الهدف من السؤال الذي يتم طرحه بخبث شديد.
ذلك الهدف هو غرس روح الهزيمة في نفس العربي، هذه الهزيمة التي تجعله يضع ذاته دون الشعوب المتحضرة الفاعلة التي تقدم للبشرية أسلوب الحياة العصرية، تلك الهزيمة التي تصيب العربي في روحه فتحيله مجرد مفعول به، حيث تجرده من القدرة على الفعل والإبداع، أو هكذا يظن من يطرح هذا السؤال.
لا يقل العربي عن أي ممن ينتمون إلى أعراق قدمت للبشرية الكثير في عصرها الحديث، ولا ينقص هذا العربي شيء خلقي لكي يقدم نفسه فاعلا ومؤثرا ومساهما في الحضارة الإنسانية، ولقد استطاع هذا العرق أن يقدم للبشرية إسهامات حضارية ابتداءا من أسلوب حياة مرورا بقيم وتقاليد انتقالا إلى أدوات استخدمتها البشرية، انتهاءا بعلوم لم تكن للحضارة الحديثة أن تنهض دونها.
إن هذا الذي أذكره في حاجة إلى تدليل، ليس فقط لإثباته، بل لإزالة ذلك الشك الذي يتسرب إلى كل مفاصل قارئنا العزيز الذي تسللت الهزيمة إلى نفسه وعقله ووجدانه، فأسلوب الحياة العربية كان هو المثال الذي يحتذى، وكانت الشعوب الأخرى تقوم بتقليد العربي امتثالا لما ذكره ابن خلدون في مقدمته من أن الشعوب المهزومة تقلد الشعوب المنتصرة، وهو ذاته ما نجده اليوم معكوسا حيث أصبح العربي هو المقلد لتلك الشعوب المنتصرة، متخذا من سلوكها ونمط حياتها أسلوب ونمط حياة له. 
إن التراث العلمي العربي في ظل الحضارة العربية الإسلامية الممتدة من القرن الثامن الميلادي وحتى القرن الـ16 للميلاد، غني جداً لدرجة أنه كان يتحتم على الإنسان المثقف الذي يريد الإلمام بكل جوانب علوم عصره أن يتعلم اللغة العربية، وذلك ما أكده وقاله المؤرخ والفيلسوف جورج سارتون في كتابه تاريخ العلم: " إن علماء الإسلام والعرب عباقرة القرون الوسطى، وتراثهم من أعظم مآثر الإنسانية وإن الحضارة العربية كان لا بد من قيامها. ويؤكد أن العرب قاموا بدورهم في تقدم الفكر الإنساني وتطوره بأقصى حماسة وفهم، ويدافع سارتون عن العرب ويرد على بعض المؤرخين فيقول إنهم لم يكونوا مجرد ناقلين كما قال بعض المؤرخين بل إن في نقلهم روحاً وحياة. فبعد أن اطلع العرب على ما أنتجته قرائح القدماء في سائر ميادين المعرفة نقحوه وشرحوه وأضافوا إليه إضافات هامة أساسية تدل على الفهم الصحيح وقوة الابتكار.
وهذا ما يؤكد ذلك الدور الذي لعبه الإنسان والعقل العربي في تاريخ الحضارة الإنسانية، وهو ما يؤكد أن العربي يمتلك تلك الملكة العقلية والذهنية التي من خلالها - حال تم إعدادها إعدادا جيدا، وحال توفرت لها البيئة العلمية الصحيحة وحال تشجيع تلك المواهب العربية - تستطيع أن تسهم إسهاما حقيقيا في منظومة الحضارة الإنسانية المعاصرة، تلك التي تساهم فيها بفاعلية اليوم شعوب أوربا وأمريكا والصين ودول من آسيا التي لا يمكن أن يقل العقل العربي بحال من الأحوال عنها.