رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيد قطب.. طفلٌ من القرية! (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

توقفنا في مقال الأمس عند قول "طفل القرية: سيد قطب" عن مدرسته التي أُلحق بها- والتي كانت هي الوحيدة في قريته والتي تعرف بــ "قرية موشا" والتي هي من أعمال محافظة أسيوط - ما نصه: ولهذه المدرسة تاريخ:
فقد كانت الكتاتيب هي دار العلم الوحيدة في القرية حتى افتتح مجلس المديرية هذه المدرسة، ووكل أمر التعليم فيها إلى فقيه (الفقيه: مصطلح مصري قديم يطلق على محفظ القرآن في الكتّاب، ولعل أصله نسبة إلى الفقهاء الأقدمين الذين كانوا يعلمون الناس الفقه والعلوم الشرعية في شتى بقاع المحروسة)، وعرّيف (وأما العريف فهو لقبٌ يعرفه كل من انتظم في سلك الكتاتيب القديمة، ويكون عادةً أكبر تلاميذ الكتّاب سنًا أو أعظمهم جسمًا أو ربما أكثرهم حفظًا، ولكن في أغلب الأحيان يكون ابن فقيه الكتاب، إن كان للفقيه ولد، ويقوم بدور يشبه أن يكون فيه مساعدًا للفقيه أو نائبًا عنه، وعادة ما يستقل العريف بنفسه بعد فترة فيفتتح كتابًا خاصًا به، أو يتولى أمر كتاب شيخه الفقيه إذا مات الفقيه وهو ما يزال في كتابه، وعند ذلك يتحول العريف إلى فقيه!) .
يقول "طفل القرية": فأما الفقيه: فهو من أهل بلدة مجاورة، حفظ القرآن كما حفظ القراء، ثم حضر دروسًا نظمتها الوزارة في الحساب والمعلومات العامة، وطرف من التربية، ثم عُين فقيهًا للمدرسة.
و أما العريف: فهو أحد حفاظ القرية وصاحب كتّاب فيها، وقد عيّنه المجلس عريفًا، ريثما تُخرج مدارس المعلمين الأولية العدد الكافي، ليحل محل الفقهاء والعرفاء.
وهذا العريف كان موضع الثقة من أهل القرية، فأبوه هو الذي علّم في كتّابه شيوخها، واسمه مذكور دائمًا على أنه مثال الشدة والإخلاص .
والشدة في معاملة الأبناء كانت مناط الثقة من الآباء فلما تُوفي أبوه تولى هو وأخوه إدارة الكتاب متبعين تقاليد أبيهما فيه (في الكتاب) حتى إذا اختير للمدرسة، ورُسم له مرتب قدره مائة وخمسون قرشًا، أوكل أمر الكتاب إلى أخيه وذهب هو إلى المدرسة كي يجمع كسب الكتّاب إلى كسب المدرسة وإن خسر بضعة تلاميذ اجتذبتهم المدرسة بوصفها شيئًا جديدًا.
و يستطرد قائلًا: ولم تؤثر المدرسة في الكتاتيب في حقيقة الأمر، ذلك أنه لم يذهب إليها إلا أولئك الذين فشلوا في حفظ القرآن في الكتّاب، ووصلوا طور المراهقة أو تجاوزه، فلما فتحت المدرسة أرسلهم أهلوهم إليها أو جاءوا هم بأنفسهم للفُرجة! على الأكثر، أو إعادة المحاولة مع الأمل الضئيل.
ولما كانت المدرسة في حاجة إلى تأليف قلوب الأهالي والتلاميذ في أول الأمر فإنها قد اتبعت نظامًا عجيبًا في تقسيم التلاميذ!
فلم تكن درجة العلم والمعرفة هي التي تُهيئ التلاميذ لإحدى الفرق ولكن كانت السن هي التي تعين الفرقة الملائمة للتلاميذ، فالطوال هم المرشحون للسنة الرابعة ولاسيما إذا كانت شواربهم قد خطت ثم يليهم من هم أصغر منهم في السنة الثالثة، وهكذا حتى يصل الأطفال إلى السنة التحضيرية، وهي تُحضّر للسنة الأولى .
و لكن هذه القاعدة لم تكن تتبع دائمًا فأبناء الأسر المعروفة في القرية كانوا يحتلون في الفرق العالية (لعله يقصد: كانوا يحتلون الفرق العالية!)، ولو لم تؤهلهم لذلك أجسامهم .
ولم يكن من النادر أن يحضر والد تلميذ ليحتج على وضع ابنه في السنة الأولى، بينما ابن فلان في السنة الثانية، وهو ليس أقل منه مركزًا ولا ثروة، فيجاب طلبه في الحال؟ وينقل الولد إلى السنة المطلوبة حتى لا يُخدش شرف العائلة!!
و تبعًا لهذه القواعد لم يكن بدٌّ من أن يوضع هو "الطفل :سيد قطب إبراهيم" في السنة الرابعة من أول يوم، ولاسيما أن ابن خالته في هذه الفرقة، ويحسن أن يجلس معه ليستأنس به، ولكن ناظر المدرسة آنس من والده شيئًا من التنور والمعرفة، فرأى أن يحادثه بصراحة، وأن يبين له أن من مصلحة الطفل أن يبدأ من السنة التحضيرية مع الأطفال، ليستفيد ويسير في خطواته طبيعيًا.
فاقتنع وتركه للفقيه، وللعريف الذي كان معروفًا لدى الطفل جيدًا، لأنه هو الذي يقرأ في دارهم القرآن في شهر رمضان .
ثم يقول: انصرف الوالد وصديقه بعد أن سلماه إلى المدرسة مع التوصية اللازمة، التوصية التي رأى آثارها في هشاشة الفقيه، وعناية العريف عناية بلغت حد التدليل!
انصرفا ليعودا إليه قرب الساعة العاشرة يحملان أنواعًا من الفطائر والحلوى أعدتها أمه بعناية.
فلقد كان البيت كله في هذا اليوم مهتمًا قائمًا قاعدًا، فقد كان حدثًا جديدًا يمر به.
ولكنهما يعودان فلا يجدانه بالمدرسة، ولا في أي مكان!
أما لماذا كان؟ فسره عند ضابط الجمباز! ولابد من قصة أخرى عن ضابط الجمباز.
و في المقال القادم نبين حكاية "ضابط الجمباز" ونكشف عن كم الحقد القديم الذي كان يحويه قلب "سيد قطب" على ضباط الجيش المصري العظيم، حتى وهو ما يزال بعدُ طفلًا صغيرًا يبول على عقبيه!
وفي المقال القادم للحديث بقية .. إن شاء ربُّ البرية.