الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من خطاب القطط واللحم العاري إلى التفجير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هكذا، وقد انتقلنا من خطاب التحريض على التحرش إلى خطاب التكفير الذى يعقبه التفجير. ففى عام ٢٠٠٦ حرض مفتى أستراليا فى أكبر مساجد سيدنى على نساء البلد الذى يعيش فيه ويأكل من خيره. فى ذلك اليوم قال واصفا مظهرهن الخارجى إن لحمهن «لحم رخيص»، وقال أيضا: «لا تلوموا القطط عندما تنهش اللحم العارى»، وهو بفتواه يجيز التحرش بالنساء واغتصابهن باعتبار أن لحمهن عارٍ ورخيص دون أن يدرك أنه وضع الرجال فى مصاف الحيوانات والقطط.
ومن خطاب التحريض على التحرش، إلى خطاب التكفير والتفجير مرت سنوات كشفت ما حدث فيها من تخريب للعقول، بمعرفة وربما بمباركة تلك الدول. فقد كشفت تفجيرات بروكسل الإرهابية أنه وبلا تردد يمكن وضع بلجيكا فى مصاف حاضنى الإرهاب والإرهابيين. وذلك وفقا لما انكشف وتعرى من معلومات، فمنذ خطاب القطط واللحم العارى وحتى تفجير المطار والمترو انتشرت الوهابية بأفكارها وخطابها، وتركت لهم الدولة المساجد وما يسمى بالمدارس الإسلامية بلا ضابط ولا رابط وبلا خضوع للقانون.
ونأتى إلى مربط الفرس حيث يدير هذه المساجد والمدارس وينفث سمومه فيها أصحاب الفكر الوهابى المتطرف، وينفق بسخاء عليها جماعات ودول تحمل هذا الفكر الذى وبلا مواربة قد جعل من تلك المساجد والمدارس مفارخ للمتشددين. والمتشددون المتطرفون هم النواة الأساسية التى ينشطر منها الإرهابيون. كشفت التفجيرات الأخيرة فى بروكسل عن مساحة واسعة للعمل بلا رقابة على ما يدور داخل هذه المساجد والمدارس وما يتم فى هذه الأوكار هو مناف لكافة القوانين التى تحكم بلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية التى تقدس حرية الفكر والاعتقاد والتعبير.
وداخل هذه الجدران التى تحولت لأوكار طائفية بامتياز وكارهة للآخر، والآخر عندهم هم المسلمون الذين لا يتبعون منهجهم الوهابى، وكل من ينتمى لديانات أخرى، رفعت التفجيرات الغطاء عن دول تمول لن نقول هذه المساجد والمدارس، بل نقول تمول تلك الأوكار والخرابات، وبالضرورة تعرف الأنظمة الأوروبية حجم الإنفاق السخى الذى تقدمه دول معروفة بالاسم لتلك الأوكار، لتربية الثعابين فى جحورها المسماة زورًا بالمساجد والمدارس. 
ولم تكن المساجد فحسب والمدارس فحسب، ولكن كما تعرف الدولة البلجيكية وغيرها من الدول، أن هذه الثعابين المتطرفة تعيش فى أحياء مغلقة خلف أسيجة وجدران عازلة لهم عن محيطهم الاجتماعى والثقافى والحضارى. فهم يعتبرون أن هذا المحيط كافر ومنحل، وطوال السنوات التى سبقت التفجيرات وقعت جرائم هى مؤشرات خطيرة تنبئ بالكوارث القادمة. كشفت التفجيرات عن تهاون وتواطؤ الدولة البلجيكية وعدد غير قليل من الدول الأوروبية، تواطؤ مرتبط بمصالح معلنة لتلك الدول ومصالح أخرى غير معلنة مع الدول الراعية للإرهاب، والقادرة على ضخ النفط والدولار إلى الشرايين النهمة التى تسعى للإطاحة بميراث قرون من التنوير والحرية التى دفعت الشعوب الأوروبية أثمانا لها من دمائهم وأعمارهم حتى يتركوها ميراثا للأجيال القادمة التى تواجه الآن مسئولية الدفاع عن هذا الميراث.
وقد تغاضت بلجيكا وغيرها، إن لم نقل شجعت الخطاب التكفيرى والتربية الإرهابية، رغم أن لديها من القوانين ما يحمى بلادها من هذه الأفكار.بل إنها سمحت لهؤلاء بالحركة الحرة دون وضعهم تحت طائلة القوانين.فقد غابت عمدا تلك القوانين والمتطرفون والإرهابيون يحرضون وينتهكون الحريات ويؤسسون فكريا لقنابل تنتظر الأمر بالتفجير. بل غضت بلجيكا وغيرها الطرف عن مواطنيها المسلمين الذين يخرجون من البلاد للالتحاق بصفوف جيش داعش الإرهابى. وكانوا يمثلون قبلة حياة لها قيمتها لهؤلاء الدواعش. فمن المعروف قيمة وأهمية أن تنشر الآلة الإعلامية لـ«داعش» أخبارا مكثفة عن انضمام أوروبيين لصفوفها. تركتهم تلك الدول يقومون بالمهمة ويعودون إلى بلادهم. بلاد ولدوا على أرضها ونعموا بكل ما فيها ومع ذلك استهدفوها بالتفجير، ومن المؤكد مادام الموقف الأوروبى بهذه الميوعة واللامسئولية الإنسانية فسوف يستمر خطاب القطط واللحم العارى ومعه التفجير وسفك الدماء. ومن مفتى أستراليا وحديث القطط واللحم، إلى قتلة أوروبا وحديث القنابل والدم، تواصل الأموال الوهابية جريانها فى الشرايين، وتغمض الأنظمة العيون عن تلك الدماء المسمومة دون جدية فى الوقوف أمام هذه الظاهرة، ودون اعتراف بأننا لسنا الوحيدين المصدرين للقتل.