الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرئيس.. وحرية التعبير ومكافحة الإرهاب.. وحقوق الإنسان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرأت الموجز الذي نشرته الصحف عن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى مع عدد من الدارسين في البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، ولا أبالغ إذا قلت إننى فعلت ذلك عدة مرات، إذ أن ذلك البرنامج في تقديرى واحد من أهم منجزات النظام الحاكم في مصر، وأكثرها غموضا لشح المعلومات المتوفرة عنه، التي لا تتجاوز البيانات الإجرائية الموجودة على موقع البرنامج في «النت»، أو بعض الذي يتناثر عنه، وعن الدكتور طارق شوقى المسئول فيه الذي كان أحد أعضاء لجنة التعليم بأمانة السياسات قبل عملية يناير ٢٠١١.
وأنا أدرس خطابات وكلمات الرئيس بجدية كبيرة، محاولا استقطار بعض توجهات النظام الذي وضعنا كل طاقاتنا وخبراتنا وراءه، موقنين أنه الخيار الوطنى الوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه في الانتقال إلى (مصر الجديدة)، وتحقيق أهدافها (الاستقلال في مواجهة التبعية)، و(التنمية في مواجهة التخلف)، و(التنوير في مواجهة الظلامية).
ولما كان هناك غموض كبير يلف الحالة العامة في مصر، وبالذات مربع سياسات وتوجهات النظام، فإن مسألة القراءة الدقيقة لوثائق تصدر عن تلك الدولة ومقدمتها خطابات الرئيس تظل الوسيلة الوحيدة المتاحة، لتبين أي شيء في سباق عملية صنع القرار في مصر والأطر التي تحكمها.
وقد التقطت من خطاب الرئيس أمام الشباب الذين يؤهلونهم للقيادة جملة أعتقد أنها حاكمة، وهى: (أن مكافحة الإرهاب لن تكون على حساب حقوق الإنسان.. وحرية التعبير من ثمار ٢٥ يناير).
وأرجو أن يتسع صدر الرئيس لى وأنا أحلل تلك الجملة وأناقشها، وهو ما أجمله في النقاط التالية:
أولا: أن (مكافحة الإرهاب) و(حقوق الإنسان) بالفعل، لا يمكن لأحدهما أن يحل مكان الآخر، إذا كنا بصدد بناء نظام ديمقراطى صحيح، ولكن المشكلة هي: هل ما نقصده بالمفهومين يتطابق مع ما يعنيه الغرب بالكلمتين؟
بالقطع لا.. لأن المفهومين يطرحان بطريقة (سياسية) حمالة أوجه، فما يعتبره الغرب (حقوق إنسان) بالنسبة له لا ينطبق على ما يطبقه علينا، وكذلك الأمر بالنسبة للإرهاب.. وأضرب في ذلك مثلا يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية أكبر الأطراف الدولية المناوئة لمصر ولنظام الرئيس السيسى، ولما أسفرت عنه ثورة يونيو ٢٠١٣.
إذ كان مشهد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ هو اللوحة الأكثر وضوحا في مواجهة الولايات المتحدة مع الإرهاب، وبناء عليه وبعد مرور شهر واحد وبضعة أيام أصدرت واشنطن ما يسمى (patriot act: قانون حب الوطن).وقد تضمن ذلك القانون قيودا هائلة على حقوق الإنسان والحريات العامة، وذلك فضلا عن الإجراءات التي شاعت في مواجهة الإرهاب مثل التنصت على الهواتف وقيام دوريات الكلاب البوليسية بتوقيف الناس وتفتيشهم وانتشار البوابات الإلكترونية وإعطاء السلطات الفيدرالية حق القبض على أي مواطن واحتجازه دون إبداء أسباب.
هكذا واجهت أمريكا الإرهاب فيما لا تسمح للسلطات المصرية باتخاذ عشر مثل تلك الإجراءات، وهى تواجه موجات أعتى من الإرهاب لسنوات تواصلت منذ ثورة ٣٠ يونيو.
ثانيا: ليسمح لى السيد الرئيس، فإن حديثه عن أن حرية التعبير من ثمار يناير ٢٠١١ يحتاج إلى مراجعة، فالواقع أن ما أعقب يناير ويسمى (حرية تعبير) كان نزوعا وجنوحا نحو الفوضى وتجاوز المعايير الأخلاقية والمهنية على نحو مروع، كما أنه كان جزءا من مؤامرة ممنهجة.
والحقيقة أن (حرية التعبير) لم تولد مع يناير ٢٠١١، ولكنها سبقت ذلك بسنوات، وعلى كل انتقاداتنا لنظام الرئيس مبارك فإن (تقييد حرية الرأى والصحافة) لم يكن من تلك العيوب التي شاعت في ذلك النظام واستحقت انتقاداتنا.
فكل الدراسات التي تناولت فترة حكم الرئيس مبارك تشهد بأنه أتاح قدرا غير مسبوق من الحريات. ولكن قيمة تلك الإضافة تآكلت وتلاشت في ظل إحساس الناس بعدم جدوى تلك الحرية التي لم توفر لهم قدرا تمنوه من العدل الاجتماعى، والقضاء على أزمة التوزيع في النظام، كما لم تفض الحريات التي أتاحها نظام الرئيس مبارك إلى إقرار المعايير في الهرم الإدارى والسياسي في مؤسسات الدولة، وهو عيب ما زال موجودا وحاضرا بقوة حتى اللحظة الراهنة.
أما الجهات التي أساءت لسجل مصر في حرية التعبير والحريات العامة قبل عملية يناير ٢٠١١ فهى ذاتها التي تسيء إليهما في المرحلة التي تلت يناير ٢٠١١، ومن ثم فلا مجال لربط (حرية التعبير) بعملية يناير أو تصويرها على أنها نتيجة لها.. وأضيف هنا أن كتائب عملاء الداخل التي كانت أدوات تنفيذ مخطط هدم مؤسسات الدولة هي نفسها التي عملت قبل يناير وبعده.
ثالثا: ربما جاء الوقت للحديث عن برنامج تأهيل الشباب للقيادة في ضوء القليل جدا من الضوء المسلط عليه.
إذ يشرف عليه الدكتور طارق شوقى، رئيس المجموعة الاستشارية للتعليم بالرئاسة، وهو أحد الذين عملوا قبل عملية يناير ٢٠١١ في لجنة التعليم بأمانة السياسات، وكان يعمل في منظمة اليونسكو من قبل، وقد أرسل الدكتور حسام بدراوى إلى اليونسكو يطلب أن تسمح المنظمة بأن يعمل معه د. طارق شوقى في أمانة السياسات.
والدكتور طارق رجل كفء (من زاوية ارتباطه باليونسكو) بعمليات التعليم متنوعة الدرجة والمستوى، كما أنه قليل الرغبة في الظهور، ولكنه إذا جاز أن نسجل عنه ملاحظتين يختار معظم أعضاء المجموعات الاستشارية المتخصصة العاملة مع الرئيس من الجامعة الأمريكية بالذات، ومن ناحية أخرى فهو يركز عمله على مشروعات في المستوى الصغير المايكرو، ومن دون أن ينصب عمله على الإستراتيجية، وهى هدف المجالس التخصصية الاستشارية للرئيس من وجهة نظري.
وأذكر هنا مسألة مهمة متعلقة بالبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وهى أن الشباب تم اختيارهم فعلا على أسس موضوعية وعادلة، وأنهم كذلك يمثلون مصر كلها بشمالها وجنوبها وريفها وحضرها، وأن البرامج التي يدرسونها في السياسة والإدارة والاقتصاد على ضوء القليل جدا الذي عرفناه عنها تساعدهم على بناء أنفسهم للقيادة (نظريا).
ولكن ما لست متأكدا منه أبدا هو قدرة ذلك الهيكل على تجهيز الشباب للقيادة (عمليا وتطبيقيا)، إذ لا بد من الاعتراف بأن شعبنا له مواصفات خاصة تحتاج إلى فهم وتدريب ميدانى للعناصر التي يتم إعدادها للقيادة، وبالتالى فإن الاحتكاك بالناس يظل ما ينقص ذلك الشباب المتميز، فلا معنى لإعداد شباب نظيف وجميل يمثل الغد للقيادة ثم حين يتم إلقاؤه وسط خضم الجمهور يتوه أو يفتقد مهارة التعامل أو النفاذ والتأثير.
هذا ما نجحت في استخلاصه من وسط حجب الغموض المحيط بالموضوع، وأعدكم بمعاودة الكتابة عنه حين يتوافر لى المزيد من المعرفة به.