الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

مدينة المنصورة النمساوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعث فِيَ هواء مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية نوعا خاصا من المشاعر والأحاسيس، حيث كان يبعث في نفسي بهجة وسعادة، بمجرد أن تصل السيارة على أبواب المدينة، أفتح نافذتها لأتنسم هواء المدينة الجميلة، ليأخذني لعالمها الخاص، كان ذلك في ثمانينات القرن الماضي، حيث كلية الآداب التي أدرس بها، والتي كانت تقع خارج الحرم الجامعي لجامعة المنصورة، كان مبنى كلية الآداب جميلا ومدرجاتها أنيقة، وحديقتها جذابة، وطلابها مُقْبِلون على الحياة والعلم، كنا نقضي فيها وقتا طويلا ما بين الدرس والسمر، ولعله من المناسب هنا أن أذكر أن "دفعتنا" كانت تزيد عن المائة وخمسين طالبا قليلا، كان يحرص معظمهم على حضور المحاضرات، اشتهرت كلية الآداب " خاصة جامعة المنصورة " بجمال فتياتها اللائي كن يحرصن - الأغلبية العظمى منهم بالطبع - على أناقة الملبس وجمال المظهر، تلك الأناقة التي كانت تستعرض فيها زميلاتنا خطوط الموضة الحديثة، والتي لم تمنع من وجود الزي الذي اصطلح عليه إسلاميا " الحجاب أو النقاب " حيث كان التيار الإسلامي آنذاك ينشط بصورة كبيرة.
أما مدينة المنصورة ذاتها فكانت ذات شوارع منظمة وأبنية ما بين العتيقة بفخامتها، والحديثة بجمالها، وكان النيل هو ملاذنا ليلا حيث هواؤه المنعش، وشجيرات الزينة تجمل الرصيف، الذي كان تلفت نظافته النظر.
شاءت الأقدار أن أحمل حقائيبي مغادرا للوطن في محاولة لتأمين المستقبل!! حيث كان السفر إلى أوربا أحد أحلام حياتي وتطلعاتي، وتضافرت الظروف لأنجح، بمعاونة صديقي، في أن تكون النمسا واجهتي، وعلى وجه التحديد مدينة ليوبن ثاني أكبر مدن مقاطعة " شتايرماك " الريفية، منذ اليوم الأول وحتى الآن هي محل إقامتي، والتي هي أقرب ما يكون - في حال صحت المقارنة - بمحافظة الدقهلية التي هي مسقط رأسي والتي كان هواء عاصمتها " المنصورة " بالنسبة لي " مُسَكَّراً "، ذلك " السُّكَّر " الذي تذوقته هو هو في مدينتي الجديدة ليوبن النمساوية، فغير اللغة الألمانية التي يتحدث بها أبناء ليوبن، لم أجد آنذاك كثير فرق بين مدينة ليوبن النمساوية ومدينة المنصورة، نعم الأجواء بها تباين شديد، حيث الثلوج شتاءا، والأمطار المصاحب لها برق ورعد صيفا، وهو ما لا نجده في مدينة المنصورة، الشوارع تقريبا هي هي، والمباني في الأغلب تشبه تلك التي خلفتها ورائي بالمنصورة، وأزياء الفتيات والشباب قريبة لحد بعيد من تلك التي كان يتزين بها قطاع من طالبات كلية الآداب وطلابها، ورقي أسلوب التعامل لم يكن يَشْطُطُ في البعد بين أبناء ليوبن النمساوية المتحضرين، وأبناء مدينة المنصورة، إضافة للهدوء الذي كان أيضا قاسم مشتركا بين المدينتين، ذلك كله دفعني لأن أعتبر مدينة المنصورة لا تبعد كثيرا عن النمسا وأن أطلق عليها " المنصورة النمساوية".
وفى زيارتي الأخيرة لمصر - أثناء وجودي ضمن فريق المتابعة الدولية على الانتخابات البرلمانية المصرية - شدني حنين للمنصورة، فعزمت على أن أقتطع من رحلتي سويعات أتنسم فيها هواء مدينتي المحببة، فهالني ما رأيت، حيث لم يعد هواؤها " مُسَكَّراً " نتيجة للتلوث الهائل، والشوارع لم تعد قادرة على استيعاب المركبات، والهدوء غادر المدينة مخاصما، بسبب تلك الزحمة الرهيبة، والأرصفة لم تعد تصلح ملجأ متعب أو طالب يريد أن يقتطع وقتا لراحته، أما الأزياء فلقد غلب عليها الشكل الأفغاني، وتساءلت أين ذهبت مدينة المنصورة النمساوية!!؟