الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"باتمان" ضد "سوبرمان"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعود إلى الحديث عن قصص الأبطال الخارقين على صفحات المجلات المرسومة، الكوميكس، والأفلام. 
ربما يبدو الموضوع خفيفا أو تافها لأصحاب الاهتمامات الحيوية مثل السياسة والاقتصاد والصحة وأخبار الحوادث وكرة القدم. ولكن لو عرفنا قدر التأثير الذى تطبعه هذه الأفلام فى نفوس الملايين من الأطفال والمراهقين، وكيف تشكل وعيهم وذوقهم وتصورهم للعالم وللخير والشر، والأهم كيف تتغلغل داخل عقلهم الباطن وتتفاعل مع مشاكلهم النفسية والعائلية، فتساعدهم على التخفيف من آلامهم، والتنفيس عن عقدهم ومكبوتاتهم... أو قد تستخرج أسوأ ما فيهم أحيانًا.
فى إطار المقارنة بين الأبطال الخارقين، يظل «سوبرمان»، المولود عام ١٩٣٨، أولهم وأشهرهم وأكثرهم قوة، ولكن «سوبرمان» كما يعرفه محبوه ليس من بنى البشر، بل كائن فضائى جاء إلى كوكب الأرض وهو لم يزل طفلا رضيعا، بعد أن دُمر كوكبه، ولذلك لا تخضع جيناته الوراثية ولا طبيعته لقوانين البشر وكوكب الأرض.
«باتمان»، أو «الرجل الوطواط»، الذى ولد بعد «سوبرمان» بعام واحد هو أول بطل خارق يستمد قواه من أحد الحيوانات، ولكنه ليس «متحولًا» mutant مثل «سبايدرمان»، «الرجل العنكبوت» أو بقية «الناس إكس» X-men الذين يملكون قوة غير طبيعية نتيجة «خطأ» ما مثل اختلاط جيناته بجينات عنكبوت أو ذئب، أو إصابته فى حادث ينتج عنه تحول فى جيناته مثل «العملاق الأخضر»، أو تجرى له عملية تغيير أطرافه أو قلبه بأجهزة معدنية، مثل «الرجل الحديدى».
«باتمان» على العكس إنسان طبيعى جدا، ولكنه تعرض لموقف صعب حيث وقع ذات يوم فى بئر جافة تسكنها الوطاويط، ولما نجا اتخذ من الوطواط رمزًا وشكلًا له، فهو يعمل فى الليل فقط ويرتدى ملابس جلدية سوداء وقناع وجه بأذنين كبيرتين مثل الوطواط.
وعلى عكس «سوبرمان» الذى يمارس البطولة بحكم طبيعته وأصله النبيل، مثل إله أو ملاك، فإن «باتمان» و«سبايدرمان» يتيمان تعرضت أسرتاهما للقتل على يد لصوص ومجرمين أوغاد، ولذلك ينتقمان من الأشرار لأسباب شخصية ونفسية تمامًا.
يخاطب «سوبرمان» فى الطفل خيالاته الأولى، شعوره بالقوة المطلقة التى تتحدى قوانين الطبيعة، حيث يستطيع الطيران واختراق الجدران والرؤية عن بُعد.. وأيضًا خيالاته الأولى بامتلاك أبوين مختلفين التى أطلق عليها رائد علم النفس سيجموند فرويد «خيالات التبنى»، حيث يتخيل الطفل أن أبويه ليسا أبويه الحقيقيين، وأن لديه أبوين آخرين أكثر ثراء أو أكثر محبة له أو أكثر نفوذًا. هذه الخيالات تساعد الطفل على التخلص من الاعتماد الكامل على أبويه و«الاستقلال» عنهما وتكوين شخصيته بعيدا عن هيمنتهما، ولذلك تكثر فى هذه المرحلة اعتراضات الطفل وقول كلمة «لا» والتأكيد على أن لديه ذوقًا وآراء مختلفة عن أبويه.
إذا كان «سوبرمان» طفلًا متبنى من أسرة غير أسرته الأصلية مثل «أوديب»، بطل الأسطورة الإغريقية ومسرحية «سوفوكليس» الشهيرة، فإن «باتمان» أشبه بـ«هاملت» بطل مسرحية شكسبير، الذى يقضى حياته بحثا عمن قتل أباه لينتقم منه.
من قرأ لـ«فرويد» أو عنه، يعرف أنه قام بتحليل كل من «أوديب» و«هاملت»، واعتبر الثانى الامتداد الأكثر تحضرًا للأول.
أوديب يقتل أبيه ويتزوج من أمه بالفعل، أما هاملت فـ«يتخيل» أن من فعل ذلك هو عمه، ولذلك يسعى إلى الانتقام منه. هاملت يخفى كراهيته لأبيه ويسقط التهمة على عمه، أما مشاعر الشهوة تجاه أمه فيسقطها على الأم نفسها، التى تتحول فى المسرحية الشكسبيرية إلى امرأة شهوانية. وبالتالى يقوم هاملت بعكس رغباته ومشاعره، فتتحول كراهيته لأبيه إلى حب وتغزل فى مناقبه، ويحول اشتهاءه لأمه إلى كراهية واحتقار.. مما قد يميل به فى اتجاه المثلية الجنسية وكراهية النساء.
فى «باتمان» يتم قتل كل من الأب والأم معًا على يد مجرمين متشردين. وبالتالى تتم إزاحة كل المشاعر المعقدة المرتبطة بالأب والأم وإلقاؤها على «الحثالة البشرية» للفقراء، الهمج، غير المتحضرين. ويؤكد هذه النظرة أن بروس وين، باتمان الحقيقى، النهارى، هو رجل أعمال وارث، أرستقراطى النشأة، شديد الثراء، أعزب، زير نساء. باختصار هو يمثل الرجل الأبيض الرأسمالى المتعلم المتحرر، الممل والمثير للضجر والحسد كما نرى فى كثير من أفلام باتمان.
عقد باتمان الطفولية تتوجه نحو الأقل منه مرتبة فى سلم الحضارة، خصومه غالبًا من الأوباش الحقيرين القبيحين، المشوهين نفسيًا وجسديًا وأحيانا من الأجانب القادمين من الشرق الأقصى. مدينة «جوثام» التى يعيش فيها نموذج لمجتمع رأسمالى لم تلمسه يد التحضر والتهذيب والإنسانية، ينتشر فيها المجرمون من كل نوع، الأثرياء المجانين والفقراء الهمج. فى قصص وأفلام باتمان يتردد السؤال كثيرًا عن مدى أحقية أهل هذه المدينة فى العيش. الخصوم الأكبر لباتمان، الذين يطلق عليهم فى النقد الأسطورى والدرامى Arch- anti hero أو «البطل الضد» هم أيضا مثقفون متحضرون، ولكنهم يشعرون باحتقار شديد تجاه البشر، أهل «جوثام» تحديدا، من هؤلاء شخصية «الجوكر»، أشهر من لعبها فى السينما جاك نيكلسون وهيث ليدجر، الذى يكاد يكون صورة سلبية، «نيجاتيف»، من باتمان.
فى الدراما يكون الشرير الرئيسى عادة صورة مقلوبة من البطل. الشرير يجسد رغبات البطل المكبوتة والأشباح «الخيالات» التى تطارده والمخاوف التى يعانى منها، والانتصار الذى يحققه البطل فى النهاية هو انتصار على نفسه ورغباته ومخاوفه.
باتمان فى النهاية يجسد الانتصار على احتقاره للجنس البشرى، الذى يعانى من الجهل والبربرية واللا إنسانية.